الجمعة، 22 أغسطس 2014

العقل الخرافي و العقل العلمي -3-.



درس في العقلانية - كيف تنجوا من الإحتيال- .

تكلمت في المقال السابق عن الفروق بين العقول الخرافية و العقول العلمية ، وشرحت كيف أن أصحاب العقول الخرافية غالبا ما يقعون ضحايا للاحتيال بسبب هذا الأمر ، لهذا وفي هذا المقال سنحاول شرح طرق الاحتيال التي يقوم بهذا المشعوذون ، وسنوضح كيف يمكن للإنسان اكتشافها للإفلات منها .


إن جميع طرق الاحتيال ومهما تنوعت أو تعقدت إلا أنه يمكن جمعها جميعا في قاعدة واحدة وهي "أن المحتال يهبك دائما الوهم ، ويأخذ منك دائما الحقيقة ، بحيث انك في النهاية وحين تكتشف خدعته فستجد  نفسك و قد أمسكت الوهم ، بينما المحتال قد اخذ الملموس و فر مبتعدا ، لهذا فلكي تكتشف الخدع التي يمكن أن تتعرض لها ، فالوسيلة دائما هي بالتركيز على ما يحاول الآخر بيعك أو منحك أو إغراءك به و الملاحظة : هل هذا الذي يمنحني إياه وهم أم حقيقة ؟ فإذا كان مجرد وهم  فهذا دجال بلا شك مهما ما كان ما يدعيه ، وإذا كان حقيقة فهذا بلا شك هو رجل صادق  لك أن تتعامل معه ".


إن الدجال إنسان محتال لهذا توقع دائما أنه لن يهبك أي شيء فأنت الضحية ، وعليه فأنت ولتنجوا فعليك الانتباه لما يقدم لك من عروض ولنعطي مثال على الأمر كشركات توظيف الأموال مثلا ؛ كما نعلم جميعا فشركات توظيف الأموال هي شركات تطلب من الزبائن تقديم مبلغ مالي ما ، مقابل أنها تعدهم بفائدة كبيرة من ذلك الاستثمار ؛ الآن لو انتبهنا لهذا الأمر من الناحية العملية فهل هذه الشركات قدمت عرضا معقولا يمكن للإنسان الثقة فيه ؟ الجواب هو  لا  طبعا .. فهذه الشركات لم تقدم في الحقيقة أي شيء لأصحاب الودائع ، فهي في أقصى الأحوال منحتهم وعدا بالربح ، والوعد بالربح هو مجرد كلام (أي وهم ) في المقابل فهي أخذت الحقيقة (الأموال ) ، و  من هنا فيمكن  لهذه الشركة أن تنصب على هؤلاء الناس متى ما أرادت ، حيث في أي لحظة يمكن لأصحابها الفرار بالمال ( و هنا حتى بالنسبة للأوراق التي قد يكون وقعها المتعاملون لرد أموالهم كضمان ، فهي في الحقيقة مجرد أوراق لن تلزما فارا من العدالة بأي شيء ) وهذا بالذات ما حصل مع من تعاملوا مع شركات توظيف الأموال ، فالواقع أن ما يجعل اغلب من تعاقدوا معها ضحايا هو أنه واضح أن تلك الشركات هي شركات نصب و احتيال ، حيث هي تبيع الناس الوهم و تأخذ هي الحقيقة ، وبالنسبة لهذا المثال فهو متكرر بكثرة ، و الناس للأسف تضع ضحايا له دائما ، فمثلا المشعوذون الذين يدعون القيام بسحر يغير قوانين الطبيعية (جعلك غنيا أو جعل فتاة أو فتى يحبك الخ) فهؤلاء هنا يفعلون نفس ما تفعل الشركة حيث يمسك الدجال الحقيقة (المبلغ المالي) ويهبك أنت الوهم ( طلسم من الحبر العادي على ورق  أو شيء غير محدد ) وكما نرى فمرة  أخرى تكرر خدعة شراء الوهم بالحقيقة  وتخسر أنت مالك بكل سهولة .


مثال أخر أيضا على حالات الاحتيال هذه  (لكن في درجة أكثر خطورة )هي كما يجري مع الجهاديين و الانتحاريين مثلا ، فالدجال بالنسبة للانتحاري هدفه ليس نيل المال ، بل نيل ما هو أهم (روح الانتحاري) لهذا فلما يحاول أن يحتال عليه فهو لا يقدم للانتحاري إغراءا بسيطا كالمال أو غيره ، فالمال لا يقارن بقيمة الروح ، لكنه يقدم له وهما أكثر إغراءا وهو  الحياة و المتعة الأبدية ( الخلود - الحور العين - قصور و جبال من ذهب.. ) وبهذا الوهم يسلب الدجال الانتحاري روحه ، حيث اليوم وكما نرى أغلب الانتحاريين يذهبون للموت طمعا في هذا الوهم  الذي منحه لهم الدجال ، حيث يموتون في الحروب و يعذبون ويقاسون أقسى الويلات في سبيل هذا الوهم (الحور العين – الجنة الخ ) أما الدجال فهو يستفيد بدون أن يخسر شيئا فالوهم الذي منحه للإنتحاريين هو مجرد وهم ، ويمكن للدجال حشو رأس الانتحاري بما يريد من أحلام خرافية ، وفي النهاية الانتحاري لن يعود ليحاسب الدجال .  

و من هنا وكما نرى فالاحتيال مهما تنوع أو تعقد فهذا لا يهم لأن الأساس هو في القاعدة البسيطة ، وهي بيعك الوهم مقابل اخذ الحقيقة منك ، لهذا ولاكتشاف الخداع يجب دائما أن ندقق " هل ما يمنحننا إياه أي مدعي هو وهم أم حقيقة ؟"، فلو كان حقيقة ( أي وعد واقعي وعقلاني ويمكن تصديق حدوثه ) فهذا الرجل نزيه ، لكن إذا وجدت الادعاء مجرد كلام هلامي عن أشياء سحرية لا يمكن تخيلها (كنوز - أرباح خيالية -  قصور من ذهب وفضة الخ ) فهذا بلا شك كذب في كذب.

 شكرا .


هناك تعليق واحد:

  1. أخي الكريم :

    ها أنت تقدم لنا وصفة سهلة و بسيطة للنجاة من عمليات الاحتيال المختلفة ، هناك فقط نقطة أود أن أشير اليها و التي أراها في غاية الأهمية ، الأمر يتعلق بضرورة التزود بالمعارف الأساسية الضرورية في مختلف مجالات العلوم و المعرفة ، مع الاطلاع المستمر على اخر المستجدات فيها ، و هذا حتى نحصن عقولنا من مختلف أنواع الاحتيال والتضليل ، مثلا في مجال الاشهار التجاري لو تم الاعلان عن منتوج يزعم أنه ينبت الشعر للرجل الأصلع ، ربما قد يصدق البعض هذا الوهم و تنطلي عليه الخدعة ، فيهرع لشراء المنتج مقتنعا بنجاعته ليكتشف لاحقا أنه كان ضحية الاحتيال و لكن لن يتم ذلك الا بعد فوات الأوان ، في المقابل لو كان هذا الرجل يتحلى بالقدر الكافي من المعرفة الأساسية المتعلقة ببيولوجيا نمو الشعر و مراحله ، لن يتعرض أبدا لهكذا خدعة و قس على ذلك بقية الأمور
    شكرا لك على المقال المتميز

    ردحذف