الثلاثاء، 12 أغسطس 2014

العقل الخرافي و العقل العلمي -1- .



بالنسبة لجميع العقول الموجودة في العالم التي يمكن تخيلها  (عقول فلاسفة  ، عقول علماء ، عقول بقالين وماسحي أحذية .. الخ ) جميع هذه العقول يمكن القول أنها تنقسم إلى قسمين لا ثالث لهما ،  ( العقل العلمي والعقل الخرافي ) ، ونقصد هنا بالعقل العلمي ذلك العقل الذي لا يتقبل نتائج من دون مقدمات ، حيث العقل العلمي هو العقل الذي لا يمكن له تقبل فكرة الانتقال من (أ) إلى (جـ) من دون المرور على (ب) ، فـ (ب) بالنسبة للعقل العلمي ضرورية لوجود (جـ) ، و عليه فإذا انعدمت (ب) ، ف الـ (جـ) مستحيل أن توجد بالنسبة له ، لأنه لا يمكن تخيل وجود هكذا (جـ) من العدم وحدها ، في المقابل لو ذهبنا للعقل الخرافي فيمكن القول أنه مستعد ليتقبل فكرة وجود (ج) قبل (ب) وربما حتى قبل (أ) ، فالعقل الخرافي عقل لا يؤمن بالأسباب و النتائج ، بل يؤمن بالسحر والكرامات و المعجزات ، وعليه فبالنسبة له لا أسهل من ظهور  (جـ) بعد (أ)  لأنه مع تصديق الخرافة كالسحر و الشعوذة فيمكن إيجاد (جـ) من (أ) أو من العدم حتى ، و من هنا نلاحظ هذا الفارق بين العقول البشرية العلمية والخرافية ، فالعقول العلمية عقول أفكارها وآراءها مرتبه كالسلسلة ، حيث (ب) مرتبطة بـ (أ) ، و الـ (جـ) مرتبطة بالـ (ب)  الخ في تناسق محكم ، في المقابل فالعقول الخرافية أفكارها أفكار عشوائية ، حيث (أ) مرتبط بـ (هـ) بلا مقدمات ، و (ه) مرتبطة بـ (عـ)  بلا مقدمات هي الأخرى ، فالعملية مجرد فوضى فكرية ، وهو الأمر الذي يدعونا للقول أن أصحاب هذه العقول الخرافية هم الأكثر معانات في الحياة العملية ، حيث البديهي هنا أن الخرافة ستؤدي بهم للتهلكة بلا شك ، ويمكننا حول هذا الأمر إعطاء أمثلة من حياتنا المعاشة ، فعلى سبيل المثال البشر الذي يقعون ضحايا للاحتيال من مشعوذين كالذين يزعمون أنهم يمكنهم تحويل أوراق الجرائد إلى نقود : هل هؤلاء كانوا ليخدعوا لو كانوا علميين في طريقة تفكيرهم ؟. و الجواب أفترض حتما هو لا  ، فالعقل العلمي لن يتقبل فكرة تحويل ورق جرائد إلى أوراق نقدية هكذا بلا مقدمات فهذا مستحيل ، وفي أقصى الأحوال إذا كان العقل العلمي يريد  تحويل الأوراق إلى نقود فهو سيلجئ للطريقة العلمية في فعل الأمر ألا وهي التزوير ، فهنا العلمية واضحة ومفهومة ، حيث نبدأ بالأوراق التي هي (أ)  تليها عملية التزوير بالرسم عليها بماكينة نسخ أو ما شابه وهي الخطوة  (ب)  لنصل في النهاية وتتحول الأوراق إلى (جـ ) أي نقود ، لكن طبعا العقل الخرافي لا يعمل بهذه الطريقة فمادام يمكنه تقبل وجود (جـ) من دون (ب) فبالنسبة له سهل جدا أن يصدق المشعوذ الذي يوهمه بأن يمكنه تحويل (أ) إلى (جـ)  بدون المرور على (ب) ، وعليه فيمكن القول أن هؤلاء الذين يقعون دائما ضحايا للمشعوذين و السحرة ، هم دائما العقول الخرافية ، فالعقل الخرافي وحده بعشوائيته في التفكير ، من يُسهل على الدجال خداعه ، في فالمقابل العقل العلمي المحكم في أفكاره هو كالسد المنيع لديه ، وعليه وبالنسبة للبشرية اليوم فيمكن القول أن هذين النوعين من العقول هما النوعين المسيطران على العالم ، عقول تؤمن بالسحر والخرافات و الأمور الغيبية وتجر البشرية للحضيض ، وعقول تؤمن بالأسباب و النتائج و الأدلة المنطقية وتحاول أن تنتشل البشرية من تلك الكوارث  .

شكرا .

هناك تعليقان (2):

  1. تحياتي :

    شكرا لك على اثارة هذا الموضوع الهام ، اضافة الى ما قلته أرى أن هناك من يعمل على تدعيم التفكير الخرافي من أجل تحقيق مصالح و مكتسبات مادية ، أو معنوية ، لذا هم يعملون على ابقاء الأوضاع على حالها ، عن طريق توفير الظروف الملائمة لنشوء التفكير الخرافي في المحيط الاجتماعي ، و ما يزيد الطين بلة هو توظيف الدين لاضفاء القدسية على الخرافات ، و الاعلام هو الاخر يلعب دورا هاما في ذلك ، و مع الجمود على التقليد و التسليم التام للخرافات دون اتاحة الفرصة للتشكيك فيها ونقدها تبقى الأوضاع على حالها...
    الحل برأيي يكمن في مراجعة شاملة للمحتوى الفكري للموروث الثقافي و القيمي من أجل فرزه وغربلته و تطهيره من الأوهام والخرافات، وذلك لن يتحقق دون ممارسة الشك و النقد الدائم ، و ينبغي كذلك تشجيع التفكيرالعلمي و العقلاني القائم على ضوء مباديء العقل و المنطق و العلم التجريبي ، مع مقارنة الخرافات و الأوهام الشائعة في محيطنا مع حقائق العلم ، كذلك ينبغي استغلال وسائل الاعلام لنشر ثقافة التفكير العقلاني ، و ذلك عن طريق انتاج برامج علمية و حصص تقوم باستضافة علماء و خبراء متخصصين كل في مجاله ، من أجل مناقشة المعتقدات الخرافية و ووضعها موضع التجريب لدحضها و تفنيدها ، ولا ننسى أيضا توفير مصادرالمعرفة الرئيسية للجمهور للاطلاع المباشر على المعرفة الصحيحة الموثوقة ...
    برأيي أن كل هذا من شأنه المساهمة في محاربة التفكير الخرافي

    شكرا لك

    ردحذف
    الردود
    1. كلام صحيح اختي ، فمما نراه من هذا الانتشار الرهيب للتفكير الخرافي ، فلا يمكننا القول الا ان هناك جهات لديها فائدة في انتشار هذا التفكير ، وحتى هناك دلائل على الامر ، فمثلا الخدويوي سعيد كان واضحا في مصر في فترة ما في انه يريد شعبا جاهلا حين شن حملة على المراكز الثقافية التي اسسها محمد علي ، وكان له مقوله مشهورة يقول فيها (ان الامة الجاهلية اسلس للقيادة من الامة المتعملة ) وهو ما يعني ان هناك من يريد ان تنتشر الخرافية ، لان العقل العلمي من الصعب خداعة ...شكرا

      حذف