الاثنين، 4 أغسطس 2014

الفن و الحضارة .

لوحة لفنان مجهول من رسومات الطاسيلي .

 حين نعود كبشر إلى أعماق التاريخ بحثا عن بدايات أصولنا البشرية فإن أول ما يصادفنا هناك ليس آلة للزراعة اخترعها الإنسان مثلا ، أو آلة للحرب ، بل ما نجده هو الرسومات على جدران الكهوف التي سكنها الإنسان ، فأول تعبير للبشرية الواعية عن نفسها كان عبارة عن إبداع فني خطه الإنسان على جدار مسكنه الطبيعي ؛ ومن تلك الرسومات البسيطة التي صورت حياة الإنسان البادئ في الأحراش و الغابات و إلى حضاراتنا اليوم ، فجميع الحضارات البشرية تعرف بإبداعها الفني و بالابتكار الجمالي ، فالحضارة هي بالأساس فعل فني "حيث يحول الإنسان حياته من الواقع الفوضوي و العبثي ، إلى واقع منظم ذو بعد جمالية " ، فالمعمار هو حالة جمالية في أسلوب السكن ، و الموضة هي حالة جمالية من أسلوب اللبس ..إلخ ، وعليه فالحضارة بالأصل هي مسيرة فن ، فكل حالة إبداع فني كانت لبنة في جدار الحضارة ، في المقابل فكل حالة من غياب الفن كانت ببساطة حالة من الهمجية سواء الأمس أو اليوم ، فكما عرفت الحركات الهمجية حالة العداء للفن في القديم (حالات الغزو التي قادتها الأمم المتوحشة على الحضارات و التي أدت إلى تدمير كثير من إبداعاتها الفنية ) فالحركات المعادية للحضارة اليوم تسير على نفس المسيرة حيث تقوم أساسا على معاداة الفن (حالة داعش وتدميرها للتماثيل الأثرية في سوريا والعراق مثلا ) فهذا الأمر ليس بالعبثي بالنسبة للاثنين ، فالفن يهذب الإنسان و يصقل شعوره الإنساني ، لهذا فمثل هذه الحركات فهي معادية له لأنها لا تريد إنسان حساس مفيد للبناء والتنمية ، بل هي تريد إنسان متوحش  يسخر كل طاقته للهدم والتخريب ، وعليه كان سواء في القديم أو حتى لليوم فكل الأمم التي فقدت تواصلها مع الحالة الجمالية وتتذوق الفن فهي أنته للتخلف ، ففقدان تلك الأمم للحاسة الجمالية جعلها تفقد ملكتها في البناء و الإبداع  (وهو أولى أساسيات الحضارة )، وعليه صارت في أحسن الأحوال أمم تعيش على إبداعات الآخرين و تستمر بها ، أو أنها في أسوء الأحوال أنته إلى الحضيض حيث دمرت نفسها بنفسها بالحروب و المجازر ، لهذا فالأساس للحضارة هو الفن ، وكل حالة معاداة للفن هي بالمختصر دعوة للهمجية مهما ما كان المبرر الذي يرفع  .

شكرا .

هناك تعليقان (2):