الثلاثاء، 26 أغسطس 2014

الإسلام والعقلانية -2- .



 حول المسلم العقلاني اتجاه مجتمعه ؟ .

  شخصيا أرى أن الجواب على هذا السؤال هو نعم بالمطلق ، فنعم يمكن للمسلم أن يكون عقلانيا اتجاه مجتمعه ، و اعتقد أن هذا الأمر أسهل بكثير من العقلانية اتجاه المعتقد (وسنفصل في هذا لاحقا) ، فما يحتاجه المسلم ليكون عقلانيا اتجاه مجتمعه هو أمر بسيط ، حيث يكفي أن ينظر المسلم للتعاليم الإسلامية الخاصة بعلاقة المسلم بالمجتمع "بعقلانية" ليؤسس لعلاقة متوازنة تربطه بالمجتمع ، والمسلم إذا قرئ تعاليم الدين الإسلامي بعقلية عقلانية فبنظرنا هذا سيؤدي لا محالة إلى أن يتحول إلى مسلم عقلاني ، وحل هذا الأمر فيمكن حصر كل مشاكل علاقة المسلم بمجتمعه في أية "لا إكراه في الدين" وطريقة فهمها ، فنحن وإذا لاحظنا طبيعة ما يخلق الالتزام الديني اللاعقلاني في الإسلام ، فهو بالذات الفهم المعاكس لهذا الآية ، حيث مثلا ما يؤدي للإرهاب اليوم ، أو إلى القمع الديني بإسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و الشمولية الدينية باسم تطبيق الشريعة إلخ ، فكلها نابعة من التناقض مع هذه الآية ، فالشمولية الدينية الإسلامية مثلا  لم تنشئ إلا لأنها ألغت تفعيل هذه الآية ، فمن جهة الدين يقول وبصراحة انه لا أكراه في الدين ، وان الدين شان شخصي ، وهو كل ما يحتاجه المجتمع من الفرد   ( اي أن يفهم حدود حريته الدينية ، فأنت حر في اعتقادك مادام خاص بك ) لكن الأصولية الدينية تلغي هذه الأية وتصر على تحويل المسلم إلى عدو لمجتمعه بسعيه لفرض تصوره الشخصي عليه ، وعليه فالمشكلة مع اللاعقلانية الدينية في الإسلام  يمكن حصرها كلها في طبيعة فهم هذه الآية ، فإذا ألتزم بها المسلم صار عقلانيا ، وإذا عارضها أصبح العكس ، و كما نرى فلا شيء في الحقيقة يمنع المسلم من هذا  ، فالدين يضع إطار مقبول لهذا الأمر ، لكن الإشكال هو في تصور محدد ينفي هذا الأمر ، وهو التصور الأصولي تحديدا ، فمثلا هنا تعترض الأصولية (و أيضا الطرف الأخر  ) وتقول "وكيف يمكن أن يتحقق الإيمان الديني الصحيح ، إذا كان باسم هذه الآية نعطل كل الآيات الأخرى ، على غرار أية السيف التي تقول  (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) أو أية الحاكمية التي تقول (وما الحكم إلا الله ) افليس هذا نقضا للدين باسم التأويل  حين نقدم أي على أخرى ؟  .

و بالنسبة لهذا الطرح فأعتقد أن الجواب بسيط جدا وهو: ومن قال  أن تلك الآيات تحكم على أية لا أكراه في الدين بالنفي ، فلِما مثلا لا تكون آية لا أكراه في الدين ، (وهي الأكثر وضوحا ) هي من يجب أن تنطبق ، (وهنا طبعا وجب علينا الانتباه لأمر مهم ، وهو انه وفي القراءة العقلانية للتاريخ الإسلامي ، أننا نجد أن مفهوم الحرية الدينية من قبيل "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " هو الأصل ، فالدعوة المحمدية وعلى مدار بناءها كانت تنظر للحرية الدينية ، لكن الاختلاف حدث فقط في الفترة المدنية مع دخول النبي في الصراعات السياسية حيث من تلك الفترة تحول الخطاب الديني نحو الإقصاء ، وعليه وعلى المستوى الديني فالأصل أن الحرية الدينية هي الأصل ، إما الإجبار فهو حالة استثنائية ألمت بالنبي  بسبب تغير ظروف الدعوة ) وعليه فإذا كان هناك من أية للسيف مثلا ، فهي أية مفهومة في إطار حالات الطوارئ ، فإذا مثلا حصلت حرب بين وطن المسلم ودولة أخرى ، فبلا شك هو سواء بالقران ، او بميثاق الأمم المتحدة مباح له الدفاع عن نفسه ، لكن بالنسبة للوضع الطبيعي ، فالأمر ليس بالفرض ، ومنه طبعا فالآية بالفهم الثاني ، في العموم هي الأصح .

لكن عموما ، وعلى فرض رد احد انه ولما لا تكون الآية اللاحقة هي الناسخة ، فالآية اللاحقة اشمل من الأولى لأنها خلفتها ، وهذا كلام صحيح ، لكن يبقى أنها مجرد وجهة نظر ، وعليه فالمسلم هنا بين أن يختار إحدى الخيارين ، أن يؤمن بأنه لا إكراه في الدين ، وان المسلم  ملتزم بذاته فقط ، أو يؤمن بأن الدين للفرض ، وعموما كل مسلم هو حر ، فما يهمنا ليس ما يجب على المسلم أن يؤمن ، بل ما يهمنا هو  انه هناك مجال للمسلم أن يكون عقلانيا اتجاه مجتمعه ، فما دام المسلم يمكنه وبأية لا إكراه في الدين أن يندمج في المجتمع بعقلانية فهذا كافي  ، أما الآخرون فهم أحرار في ما يؤمنون به ، لان الإيمان في النهاية له عواقب ، فمن يكون فردا مفيدا في مجتمعه يرتقى ، و من يكون غير مخربا يقاسي .

 يتبع .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق