الأربعاء، 20 أغسطس 2014

العقل الخرافي و العقل العلمي -2- .




بعد التوضيح حول الفروق بين طبيعة العقل الخرافي و العقل العلمي في الجزء الأول و تشرحنا للقصور الذي يعانيه العقل الخرافي ، نكمل هنا التوضيح حول حقيقة العقلانية في حياة الإنسان (العقلانية بمعنى التفكير بطريقة علمية كما وضحنا) فالحقيقة أنه ورغم إشادتنا بمنهج التفكير العلمي في المقال السابق ، إلا أن هذا لا يعني أن الإنسان في حياته سيكون دائما علميا ، أو دائما خرافيا ، فالواقع أن الإنسان يتذبذب بين الخرافة والعقلانية في حياته ؛ و ما يحكم هذا الأمر هو ظروف مؤثر قد تطغى على العقل ، فعلى سبيل المثال تمثل العاطفة أحد أبرز العوامل لتعطيل العقل العلمي ففي كثير من الأحيان قد نكون علميين في تفكيرنا ، لكن العاطفة كثيرا ما تؤثر علينا لاتخاذ قرار عكس ما يمليه المنطق ، ومنه ننزلق للخرافة من باب العواطف ، أيضا من الأمور التي تؤثر على تفكيرنا العقلاني هو الخوف ، ففي أحيانا كثير يمكن للإنسان أن يكون عقلانيا في خياراته ، لكن لو وقع تحت طائلة التهديد فهو سيكون ميال إلى إلغاء  العقل و الانصياع للخرافة بسبب هذا ، وربما أبرز مثال على الأمر هو قضية السحر و الشعوذة الخ ، فالسحر والشعوذة في الواقع كلها أمور خرافية لا استمرارها سوى الخوف داخل الإنسان ، فالكثير من الناس ورغم إدراكهم لخرافية السحر و العين و الشعوذة ، لكن حالة الخوف الكامنة دخل الإنسان من المجهول ، تدفعهم لا إراديا نحو الإيمان بتلك الأمور و محاولة اتقاء شرها ، وهذا طبعا كله لان الخوف يشل التفكير المنطقي عندهم ، ويمكن القول حول الخوف أنه احد أكثر الأمور التي لطالما استغلت لتعطيل الملكة العقلية للإنسان ، حيث مثلا نجد في التاريخ أن المشعوذين و الكهنة لطالما استغلوا هذا الأمر لاستغفال الناس ، حيث يقوم هؤلاء بإرعاب الناس من خطر سيطالهم كوباء أو ككارثة طبيعية إذا هم لم يخضعوا لهم ، وطبعا ومع قدرة الإنسان على التفكير المنطقي تلقائيا إلا أن الخوف هنا و الخطر كثير ما يعطل هذه الملكة ، وعليه فنحن نرى في كثير من الأحيان دكاترة وأطباء و أناس على أعلى مستوى تعلمي خاضعين لمشعوذين ودجالين ، وكله بسبب الخوف  .

الأمر الأخر الذي يعطل ملكة العقل أيضا هو الأمل ، ففي كثير من الأحيان قد يكون لدى الإنسان قناعة بواقع ما و تقبل له (أن يكون مريض مرض لا يمكن علاجه مثلا ) لكن حالة الأمل داخله تدفعه نحو البحث العبثي عن علاج ، ومنه نرى في كثير من الأحيان أناس يقعون ضحايا للرقاة و المشعوذين رغم عقلانيتهم ، فمع علم الكثير من الناس أن الشعوذة و الرقية مجرد خرافات ، إلا انه و بدافع الأمل في الحياة يقع  هؤلاء ضحية  التفكير الخرافي حيث يأملون الشفاء من العدم .

ومنه وكما نرى فلا يوجد عقلانية مطلقة آو خرافية مطلقة  ، بل هناك تذبذب بين الأمرين ، و الإنسان الأكثر اتزانا هو الذي يكون مدركا لهذا الأمر في حياته ، فالواقع أن بعض الآمل و بعض العواطف ليست مشكلة حتى مع خرافيتها ، بل هي ضرورة لكي يعيش الإنسان في هذا العالم الجاف و القاسي ، لكن المهم بالنسبة للإنسان دائما هو أن يدرك أن ما يفعله هو مجرد خرافة ، وان لا يسمح لحالات التصديق هذه بها أن تدفعه لفعل شيء مؤذي ، ففي النهاية يجب أن يكون الإنسان عقلانيا لأن العقل هو ما يجعله بشرا    .

شكرا .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق