الجمعة، 12 سبتمبر 2014

الإسلام والعقلانية -7- .



عقلانية قريش .

رغم الافتراض الذي يمكن أن ينشأ لدينا بالاعتقاد أن العقلانية الأولى في الإسلام يجب أن تكون عقلانية إسلامية ، فالإسلام دين المسلمين ومنه فالعقلانية فيه يجب أن تكون إسلامية ، لكن الحقيقة أن أول عقلنه جرت للإسلام هي عقلنه  »الكفار « وليس عقلانية المسلمين ، فالإسلام وكدين جديد طرح على الساحة الفكرية في مكة ، كان أول ما تم امتحانه عقلانيا هو من قبل الكفار به  ؛ أو لنقل بمعنى أدق امتحان من الناس الذين عرض عليهم أول مرة ، فأهل مكة مباشرة وبعد طرح النبي لدينه الجديد عليهم راحوا وبكل عفوية يبحثون فيه بالسؤال والبحث، وهو الأمر الذي نعتبره اليوم أولى حالات العقلانية في الإسلام فقريش وفي حالتها من تساؤل لصحة الدين الجديد راحت تمارس العقلانية التي ستحدد اطر هذا الدين ، وعموما يمكن القول ومما وصلنا من آثار عن ما جرى من مناقشات حول صحة الإسلام وصحة فرضياته ، أن العقلانية القرشية عموما كانت عقلانية راقية في إطار الزمن الذي وجدت لأنه وبالنظر للجدل الفكري الذي دار بين النبي وبين قريش في تلك الفترة ، فنحن نكتشف أن قريش طرحت نفس الأسئلة العقلانية التي يمكن طرحها اليوم على الإسلام ، فعلى سبيل المثال نجد أنه مباشرة وبعد طرح النبي لفكرة النبوءة و الوحي الإلهي فقد جاءه السؤال البديهي الذي سبق وأشرنا إليه  " وما الدليل على انك نبي ؟ " وهو السؤال الذي يمكن القول أن كثير من المسلمين اليوم لم يسألوه رغم أننا نجدهم يؤمنون ، فالمفروض وهو الطبيعي بالنسبة لأي دعوة هي أن تثبت أصلها بالأساس ثم لاحقا لتذهب لطرح الافتراضات و الأطروحات ؛ لكن عموما يمكن القول أنه سواء المسلمون أو قريش فهم  تجاوزوا التعمق في قضية أصالة الوحي بهذا السؤال ، فقريش وحين سالت عن حقيقة النبوءة لم تصل لطرح فكرة  هوية المرسل وكيف يمكن التحقق أنه من الله  أم لا ؟ ، لكنهم ذهبوا إلى فكره نوعا ما ابسط ، وهي طلب الدليل المادي على العلاقة بين النبي و بين الله ، حيث طالبت قرشي بدليل مادي من النبي بعمل خارق كمعجزة 1 ليتأكدوا بها من صدق كلامه حيث قالوا الإسراء من الآية 90 إلى الآية 93 (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً )   وهنا نلاحظ أن قريش اتخذت الطريق الأسهل في الاستدلال العقلي ، فإذا كان النبي له علاقة مع الله المتصرف في الكون فليثبت على سيرة الأنبياء الآخرين هذا الأمر بعمل خارق يؤكده ( و هذا طبعا مع أن هذا الأمر ليس بالضرورة صحيحا فلا يعني قيام المر بشيء يعتقد البعض انه معجز أن هذا رسول من السماء ، فعلى سبيل المثال في عالمنا اليوم الكثير من الأمور التي ستبدو معجزات لإنسان الأمس هي من البديهيات لدينا كالهاتف مثلا  ، والطائرة  )  لكن لنقل انه ورغم بساطة الطرح  إلا أنه كان طرحا إلى حد ما عقلانيا في زمانه ، ففي تلك الفترة لم تتطور العقلانية لتشمل قضايا من قبيل هوية المرسل وحقيقة هل يمثل الإعجاز دلالة على وجود خالق أم لا ؟ ثم هل  كل عمل خارق هو من الخالق ؟ الخ  لكن عموما لنقل أن سؤال قريش قد أدى إلى حد ما غرضه الذي طرح من اجله ، حيث أن قريش قد وضعت النبي في تحدي لإثبات الحد الأدنى من مزاعمه بحيث أن الفشل يعني البطلان ، فيما النجاح ، يمثل الصحة .



 لكن للأسف فما حصل بعد هذا الامتحان أن النبي رفض من قبول هذا السؤال ، حيث أعتبر النبي أنه غير ملزم بتقديم دليل مادي لهم ليؤمنوا حيث يقول في الآية 59 سورة الإسراء  (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا )  وهنا يبرر النبي رفضه لفكرة الامتحان بالمعجزة أنه مُكذب في كل الأحوال ومنه فهو يرفض من الأساس فكرة الامتحان العقلي – المادي للنبوءة ؛ بل ونجده في مكان أخر ينفي فكرة قدرته على المعجزة من الأساس حيث يؤكد بوضوح بشريته حين يقول (  قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً)  وهو الأمر الذي يوضح لنا انه من البداية فالإسلام ذاتي الاعتقاد ، وأنه من الناحية العقلانية فهو غير قابل لأن يجبر على تقديم أدلة عقلانية سواء حسية أو منطقية على أصالته ، حيث وكما نرى هنا فالنبي نفسه وفي حالة الامتحان العقلي فهو قد تراجع عن فكرة التحدي ، و ذهب إلى فكرة ذاتية الدين بما معناه ، أن الإسلام ومن البداية ليس دينا قائما على البرهان العقلي ، بل أنه دين  قائم على التصديق  الخالي من فكرة القناعة ، حيث أنه يفترض أن الحقيقة و الدليل على أصالته ، ليس نابعا من شيء خارج عنه (أي دليل عقلي أو حسي عليه ) بل نابع من إحساس الفرد بصدقه حال أن يؤمن به .

_______________________________________
  

1طبعا يعتبر مثال امتحان المعجزة احد الاستدلالات من استدلالات عقلانية كثيرة فعلتها قريش لكننا نركز هنا على هذا المثال لأنه المثال الأهم ، فمثلا كان من بين الانتقادات العقلانية من قريش هو نقدهم النصي للقران حين قالوا وما تلك سوى أساطير الأولين  ، و قد شككت قريش بهذا الكلام في أصاله الوحي على أنه وحي إلهي ، لكن عموما فالنبي كان لديه الجواب لهذا السؤال وهو انه من الطبيعي أن يكون قرآنه نسخا عن قصص الأولين  لأنه نبي يحذر من عواقب المشي في سيرت تلك الأمم البائدة ، ومنه فهذا التطابق في الروايات لا يعني بالضرورة نفي ألوهية القرآن .

يتبع ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق