الخميس، 25 سبتمبر 2014

الإسلام والعقلانية - 11 - .




 لكن عموما ورغم هذا المجهود المتميز في محاولة عقلنه الخطاب الديني عن طريق التأويل ، إلا أن الجمهية لم ينهوا حقيقة سلسلة التأويلات بالطريقة التي تجعل رؤيتهم رؤية متماسكة ورصينة ، فعلى سبيل المثال كان من بين ما ينقض رؤيتهم في كثير من الأحيان هو أن النص القرأني كان دائما مخالفا لهم على غرار قضية العرش مثلا ، ففي قضية أن العرش يمثل سلطة الله كما قالوا ، كانت المشكلة التي خلقها القرآن لهم هي الآية التي تقول أن عرش الله كان على ماء  ( وكان عرشه على ماء )سورة هود الآية 7 وكما نلاحظ هنا فهذه الآية تضرب الأطروحة الجهمية في مقتل ، لأنه وإذا كان المقصود بالعرش هو سلطة الله ، فكيف لهذه السلطة أن تتموقع على سطح مائي ؟ ( وهنا فالآية صريحة في الدلالة على هذا الأمر ، فالماء شيء مادي ، وبلا شك أي شيء سيتموضع على هذا الماء  فهو شيء مادي مثله بالضرورة ) ومنه فالقول الجهمي منتفي بداهة ؛  الأمر الأخر أنه  وعلى فرض أن الجهمية قالوا أن الماء هنا نوع من المجاز ، وأن المقصود به ليس الماء بمعناه الحرفي ، فالسؤال الباقي هو  : و ما الدلالة المقصودة بالماء ، وما الذي يلزم بقول خلاف القول الظاهري الواضح ؟ و الجهمية للأسف لم يقدموا شرحا مقنعا لهذا السؤال ، ومنه كان من البساطة بمكان أن نقض خصومهم تصوراتهم التأويلية  (ابن تيمية مثلا) ، هذا مع أن أراء مخالفيهم ليست أقل بطلانا فالقول بالتجسيم ليس أقل كارثية من محاولة التأويل 1، لكن عموما هذا ما جرى و السبب ببساطة هو الخطأ الجهمي في الإنطلاق من فرضية كون النص الديني عقلاني و أنه مؤسس للحقيقة ، فالجهمية وحال أن أقرت بصدقية النص القرآني فهي قد ألزمت نفسها بكل حرف فيه ، ومنه كان من السهل للجماعة المخالفة لهم أن يردوا عليهم بإلزامهم بالنص ، وطبعا وبما أن النص من البداية نص لاعقلاني ، فقد انتهى الأمر بالجهمية إلى الفشل ؛ وهو عموما الأمر البديهي لأن الجهمية فكروا كفقهاء لا كفلاسفة ، والفرق هنا بين الفيلسوف والفقيه أن الفيلسوف يبحث عن الحقيقة بغض النظر على ما سيتطلبه ذلك ، في المقابل فالفقيه يبحث عن تثبيت دعائم الدين حتى لو خالف من أجل ذلك الحقيقة  ، وعليه كان أن رأينا أنه وبعد فشل الجهمية في وضع رؤية متكاملة لحل إشكاليات العقل و النقل ، أن الفقهاء المعلين لقدسية النص لاحقا قد نبذو جميعهم العقل ، لأنه وكما تبت من التجربة الجهمية فمحاولة عقلنة النص هي محاولة فاشلة ، ومنه ومن اجل الحفاظ على الدين  فقد وجب نبذ العقل كما يقول ابن تيمية في كتابه (درء تعارض العقل والنقل، ص 138.  )" فإذا تعارضَ الشرع والعقل وجبَ تقديم الشرع ؛ لأنَّ العقل مصدِّق للشرع في كُلِّ ما أخبر به ، والشرع لَم يصدق العقل في كُلِّ ما أخبره به " ، و  هنا إبن تيمية يعلن القطيعة بين العقل والنص ، لأنها ببساطة غير موجودة  .
_________________________________________
1 تتمثل الإشكالية في مسالة التجسيم أن القول بها يفرض بالضرورة القول أن الله خاضع للزمان و المكان ، وهذا أمر مناقض للمسلمات الإسلامية  ، فالمشكلة التي تنتج عن التجسيم  في قضية كقضية واستوى على العرش مثلا، أن القول بهذا يفترض ان الله خاضع للجاذبية ، فلماذا يجلس الله على عرش ؟ أو لماذا يكون العرش على الماء ؟ و لماذا يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ؟ إلا أن هذا يعني كونه خاضعا لأمر خارج عنه وهو الجاذبية ، وطبعا هنا واضح  القصور الذي يتبدى من هذا القول ، فالله المفروض لا يخضع لأي شيء ، ومنه كان الجهمية بأطروحاتهم يحاولون ايجاد حل لهذا الإشكال بالقول أن معنى الاستواء مجازي فهم يعلمون أنهم لو قالوا أن الله استوي على العرش ، بأنهم سيتبثون عليه بهذا الكلام أنه محدود بالمكان و الزمان ، وهذا الأمر لا يصلح أن ينسب لله  ، الشيء الأخر أن فكرة العرش و الاستواء توحي بأن الله لا يختلف عن واقع الملوك من البشر حيث له عرش يستوي عليه ، و جند  و حاشية إلخ ، وهذه أمور تتنافى و التفرد الإلهي لقوله (ليس كمثله شيء)  

يتبع .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق