الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

الإسلام والعقلانية -5- .



 بالنسبة لهذا الادعاء فالرد حقيقة انه لا يمكن القول أن الإعجاز القرآني إذا حدث هو بالضرورة دليل على أن الغيب المطلوب الإيمان به صحيح ، فمن الناحية العلمية لا يعني بالضرورة أن تكون هناك معجزة أنها بالضرورة من خالق الكون ، أو أنها تبرر الأمور الغير معقولة ، وسنعطي المثال التالي للتوضيح .



نعلم جميعا أن الرواية الإسلامية المؤسسة الوحي الإلهي (القران ) تقول أن الملك جبريل قد جاء للنبي صلعم في غار حيراء و أوحى إليه بالقران ، و أن النبي صلعم و المسلمون وبعد رؤيتهم للإعجاز في هذا الوحي تأكدوا أن هذا الوحي (القران) هو من خالق الكون  ؟ حاليا ولو تلاحظوا فهذا الزعم ومن الناحية العلمية مغلوط فمثلا من قال أن من زار النبي هو رسول من خالق الكون ؟ فهل النبي مثلا تأكد انه رسول الله ؟ وهل النبي كان له اطلاع سابق برسل الله ليحدد من هو الرسول القادم من الله ، و من هو الرسول القادم من غير عند الله ؟  طبعا الجواب البديهي على هذا السؤال هو لا ، فالنبي لا يمكنه تحديد من هذا الكائن الذي زاره و الذي قد يكون أي شيء فالنبي (و أي نبي غيره ) ليس على إطلاع بالكائنات الموجودة في الكون ليقول أن هذا رسول من الله و أن هذا ليس رسول  ، وعليه فالقصة الإسلامية كما نرى ومع فرض صحتها من الناحية العلمية فهي غير يقينية  ، فأقصى ما نستطيع الجزم به هو " كائنا خارقا" زار النبي صلعم في غار حيراء وقال له اقرأ .. وأن هذا الكائن منحه معرفة إعجازية ، لكن طبعا في حالة مثل هذه فلا يمكن الجزم يقينيا أن من زار النبي هو رسول من الله ، فكل ما لدينا هو أن كائنا زار النبي وأعطاه معرفة إعجازية ، أما عن أصله  وفصله ، وكل ما عدى ذلك فلا احد يمكنه التأكد ، لأن ذلك الكائن لا يفترض فيه الصدق بالضرورة إذا أدعى أنه من الله ، ومنه فقد يكون هذا الكائن مجرد كائن فضائي أو جن و شيطان أو أي شيء (وهذه وجهة نظر) وهنا يجب الانتباه أن النبي نفسه لم يكن متأكد مما رأى في هذه الحادثة ، حيث ووفق الرواية الإسلامية فقد عاد النبي صلعم بعد هذه الحادثة مذعورا إلى بيته ، وقال للسيدة خديجة زملوني زملوني ، حيث أن السيدة خديجة هي التي لاحقا حاولت التثبت من طبيعة هذا الكائن وفق ما جاء عن الطبراني 1 والتي انتهت إلى القول حين كان ذلك الكائن يختفي حال تعرية الشعر أنه ملاك ، لكن طبعا يبقى هذا الافتراض افتراضا هو الأخر غير علمي ، فمن قال أن الملائكة تفزع من الشعر العاري فهل هناك قاعدة علمية حول هذا الأمر ؟ ثم من قال أنه ليس شيطان يمارس التحايل فهذا وارد ؟  ثم من قال وإذا جزمنا أنه ملاك أن يكون جبريل ؟ ومنه وكما نرى ففكرة أن يكون الله هو المصدر للوحي كلها قصة هشة من حيث البنيان العقلاني ، وإذا أردنا الدقة فالأصل لدى المسلمين هو الإيمان بصحة ما جاء عن النبي ، لكن ليس أنهم يوقنون أن ما جاء به النبي صحيح ، فالنبي وكما وضحنا لا دليل علمي عقلاني على صحة ما جاء به حتى جزمنا أنه صحيح ، ومنه فالأصل في الإيمان الإسلامي أنه إيمان لا عقلاني و أنه قائم على تصديق ما جاء به النبي لا أكثر ، فالمسلمون لا يملكون دليل عقلاني على إيمانهم غير التصديق بالفرضيات التي أفترضها النبي صلعم ، والسيدة خديجة   .

وطبعا وكما نرى هنا ففكرة أن يكون المسلم عقلانيا مع معتقده هي فكرة غير ممكنه ، فعلى الأقل ومن ناحية اليقين الكلي من مصدر الوحي فهذا غير ممكن ، ومنه فالإسلام في واقعه لا يقوم على أساسا اعتقاد عقلاني ، بل يقوم  على أساس الإيمان الغيبي كما يقول هو نفسه في سورة "البقرة" الآية 3 (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) و الغيب كما نعلم هو ما لا يمكن إثباته ، فلا وجود يقيني على  الغيب لأنه بالأساس غيب .



الخاتمة.



ومن هنا وكما وضحنا ، فعقلانية المسلم لها شقين (معتقدي ومجتمعي ) و المسلم يمكن أن يكون عقلانيا في واحدة منهما فقط و بالتحديد تلك المطلوبة منه ، أما العقلانية التي ليست مطلوبة منه (عقلانية الاعتقاد فهو لا يستطيع عقلنتها  ، لكن يبقى انه ومادامت عقلانية الاعتقاد غير مطلوبة في ظل حرية العقيدة فليس على احد محاسبة المسلم على خرافية إيمانه ، فخرافية الإيمان إذا كانت ذاتية فهو حر فيها ، والمسلم ومدام لا يجنح للإرهاب أو العنف ، فهو حر يعبد وهم يعبد صنم  ، فكلها حرية شخصية و المسلم هنا قد أدى ما عليه .

____________________________________



1 )  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِرْسٍ الْمِصْرِيُّ ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ نَضْلَةَ الْمَدِينِيُّ ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِهْرِيُّ ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ ، عَنْ خَدِيجَةَ ، قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَا ابْنَ عَمِّي ، هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا جَاءَكَ الَّذِي يَأْتِيكَ أَنْ تُخْبِرَنِي بِهِ ؟ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَعَمْ يَا خَدِيجَةُ " . قَالَتْ خَدِيجَةُ : فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا خَدِيجَةُ هَذَا صَاحِبِي الَّذِي يَأْتِينِي قَدْ جَاءَ " ، فَقُلْتُ لَهُ : قُمْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِدِيَ الأَيْمَنِ ، فَقَامَ ، فَجَلَسَ عَلَى فَخِدِيَ الأَيْمَنِ ، فَقُلْتُ لَهُ : هَلْ تَرَاهُ ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ " ، فَقُلْتُ لَهُ : تَحَوَّلْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِدِيَ الأَيْسَرِ ، فَجَلَسَ ، فَقُلْتُ : هَلْ تَرَاهُ ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ " ، فَقُلْتُ لَهُ : فَتَحَوَّلَ فَاجْلِسْ فِي حِجْرِي ، فَجَلَسَ ، فَقَالَتْ لَهُ : هَلْ تَرَاهُ ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ " ، قَالَتْ خَدِيجَةُ : فَتَحَسَّرْتُ وَطَرَحْتُ خِمَارِي ، وَقُلْتُ لَهُ : هَلْ تَرَاهُ ؟ ، قَالَ : " لا " ، فَقُلْتُ لَهُ : هَذَا وَاللَّهِ مَلَكٌ كَرِيمٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هَذَا شَيْطَانٌ ، قَالَتْ خَدِيجَةُ : فَقُلْتُ لِوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ ذَلِكَ ، كَمَا أَخْبَرَنِي بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ وَرَقَةُ : حَقًّا يَا خَدِيجَةُ حَدِيثُكِ  "المعجم الأوسط " ص 6744 .

شكرا .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق