الأربعاء، 18 يونيو 2014

هل خذل الله الجزائريين ؟ .



  من يتابع اليوم الكلام الذي يدور بعد خسارة المنتخب الجزائري ضد نظيره البلجيكي في تصفيات كأس العالم ، بلا شك سيرى أن كل أصابع الاتهام توجه الآن اتجاه الناخب الوطني وحيد حاليلوزيتش ، حيث يجمع الخبراء (إن لم نقل الشارع الجزائري كله ) على أن بعض خيارات المدرب بخصوص اللاعبين لم تكن موفقه ، وعليه كان أن المنتخب الوطني هزم أمام نظيره البلجيكي رغم التفوق الذي حصل عليه في أول المباراة ، لكن وللمفارقة (وهو الأمر الذي يُغيّب) هو انه وقبل دخول المنتخب الوطني للمباراة لم نكن نرى أي من هذا الإجماع نحو أهمية دور الناخب الوطني في صياغة الفوز أو الخسارة ، فما كان يجري في الواقع هو عبارة عن حمى جماعية من التضرع و الصلاة لله والدعاء له لينصر المنتخب الجزائري المسلم في المونديال ، وهو ما يوحي أن الله هو الذي كان سيصنع النتيجة في المباراة لا المدرب الوطني ، فمثلا رئيس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم محمد روراوة وبدل أن نراه يهتم بتحضيرات اللاعبين وطبيعة الخطط التي وضعت لهم من قبل المدرب ، راح يدعوا لتوفير مصاحف للاعبين في غرفهم ليتسنى لهم الدخول في الجو الإيماني قبل المباراة ، أما على مستوى الوفد الفني المرافق للمنتخب ، والذي من مهمته رعاية الجانب النفسي و البدني للاعبين ، فقد سرت شائعات بأخذه للمشعوذ أبو "مسلم باللحمر" معهم ليكون راقي المنتخب (وغالبا هي صحيحة ) ، أما وعلى المستوى الشعبي فقد رأينا بعض الأئمة كـ "علي عية"يدعون الجزائريين لان يدعوا الله ليفوز المنتخب الوطني ، بل أن اللاعبين أنفسهم وبعد الهدف الأول سجدوا لله لشكره عن الهدف ، وهنا طبعا لا بد أن نطرح السؤال البديهي بعد كل هذا وهو " إذا كان الله هو الذي يمنح الفوز و الخسارة ، فلماذا اللوم يقع بعد الهزيمة على الناخب الوطني ؟ و إذا لم يكن الله هو السبب فلماذا تتم مناجاته أصلا  ؟" .

بالنسبة لهذا السؤال و الجواب عليه فالواقع أن هذا السؤال من أكثر الأسئلة إرباكا لنا نحن المسلمين ، لأننا مثلا وحال السؤال هل يكفي التضرع لله كوسيلة للنجاح ؟ ، فنحن نقول بلا شك أن هذا لا يكفي ، فالمؤكد انه بدون الأسباب فنصرة الله لن تكون ، لكن في الوقت نفسه لو سألنا "ماذا لو اعتمدنا على الأسباب وحدها بدون دعوة الله كما فعل البلجيكيون مثلا ؟ " فالجواب يكون أيضا بالنفي ، و القول أننا المفروض نقوم بالأسباب و نسأل الله التوفيق ، لكن طبعا وكما تلاحظون فهنا لدينا تناقض فاضح في هذا الجواب ، لأنه مثلا إذا كان لا نصر إلا بأخذ الأسباب ، فما حاجتنا للدعاء أصلا ؟! فالدعاء المفروض يكون من اجل فائدة لا كحالة عبثية ؛ ثم إذا كان الدعاء واجبا للتوفيق فقط ؟  فلماذا لم يفد الدعاء الجزائريين بأي شيء مقابل التخطيط المحكم كما فعل البلجيكيون ، فهل الدعاء مجرد إضافة خرافية على سبب موضوعي هو "اتخاذ الأسباب" ؟ أم  أن الله في الواقع قد خذل الجزائريين ؟ .

 

في الواقع ومما تقدم فالجواب هو طبعا "لا" فالظاهر أن قصة الدعاء والتضرع ما هي إلا إضافة خرافية من العصر البدائي تم إضافتها على مسالة الأخذ بالأسباب ، فكما كان البدائيون يتوسلون النصر من الآلهة قبل خوض الحروب ، لا يزال يفعل المسلمون المثل حيث يطلبون النصر من الله ، لكن طبعا و كما نعم فالنصر لا يكون بالتضرع لكائنات خرافية أو أمور ليس له علاقة ، بل يكون بالأسباب ولا شيء غير الأسباب ، وهو تماما الأمر الذي يشرح لما لماذا خسر المنتخب الجزائري ضد البلجيكيين ؟ ، فالأمر ليس أن الله خذلهم أو انه تخلى عنهم ، بل الأمر أنهم لم يقيموا الأسباب من الأساس ، وعليه فقد كان أنهم هزموا ؛ بل و يمكن القول هنا أنهم سيظلون يهزمون في كل مرة ضد البلجيكيين مهما ما دعوا الله أن ينصرهم ، لأنه ببساطة لا إرادة لله إلا ما أرادت الأسباب ، وهو طبعا الأمر الذي يشرح لنا لماذا ذهب الجزائريين بعد الخسارة للإلقاء اللوم نحو المدرب ، لا لوم الله ، فواضح هنا أنهم وبطريقة غير مباشرة أقروا أن المشكلة من الأساس كانت في عدم أخذهم بالأسباب ، لا في قضية أنهم لم يتذرعوا أكثر ، لكن ومع هذا ، و رغم هذا الاعتراف غير المباشر اتجاه الأمر إلا أنه لا يبدو انه يمكن للمسلمين عموما ملاحظة هذه المغالطة ، فرغم أن الفوز والخسارة تحكمها الأسباب لا غير ، إلا أنهم سيستمرون في مطاره الأشباح بتوسل الفوز  بالدعاء و التضرع ، وما يزيد الطين بله أن هذا السؤال لا ينفك يواجههم في كل مرة لكن بدون بروز أي قدرة على الإجابة عليه أو التعامل معه بمنطقية ، فالمسلمون دائما وحال التحضر للمعارك يفعلون هذا بالتضرع إلى الله ، لكنهم وحال يهزمون لا نراهم يعلقون خيبتهم عليه ، بل هم يعلقون الخيبة على أنفسهم ، و طبعا هذا خلل خطير في التعامل مع تحديات الحياة ، فإذا كانت الدنيا تقوم بالأسباب فقط ، فإذن ليس على المسلمين إلا الاهتمام  بالأسباب فقط ، أما إذا كانت الدنيا تقوم على التضرع لله لمنحنهم التوفيق ، فقد كان الأحرى أن يعود  اللوم  على الله الذي خذلهم  ، لكن طبعا ومادمنا نعلم انه لا يمكن لأي مسلم أن يلوم الله على أي شيء ، فقد كان الأحرى إذن و من البداية إخراج الله من الموضوع لان الحياة قائمة على الأسباب ، فالله لا ينصر ولا يخذل إلا بما أعد الناس العدة ، وعليه كان أن انتصر البلجيكيون و سينتصرون في كل مرة يلاعبون الجزائريين لأنهم اعدوا العدة ، في المقابل فالجزائريون كانوا سيهزمون ، وسيهزمون مهما تذرعوا لله طلبا للنصر ، فالنصر يأتي من الأسباب لا من التوسل   .

 

شكرا .

 

هناك 6 تعليقات:

  1. بغض النظر عن قضية المباراة مع بلجيكا ، ماذا تعني لك هذه الايات القرانية اذن هل هي أساطير الأولين :

    "واذا سالك عبادي عني فاني قريب اجيب دعوة الداع اذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"

    "ادعوا ربكم تضرعا وخفية انه لا يحب المعتدين "

    "هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين "

    اني منتظر جوابك

    ردحذف
    الردود
    1. لا اخي السؤال لا يكون هل هي اساطير الاولين ، بالسؤال كالتالي : انت تقول ان الله يقول ادعوني استجب لكم (اي دعوة كلامية ) ، لكن كما نعلم فالله لا يستجيب بدليل مثلا ان فلسطين لم تتحرر رغم الدعوات لها كل يوم ... و السؤال هو ، لماذا يستجب الله لمسلمين بتحرر فلسطين ؟ وطبعا الجواب الجاهز هو انه يجب الاخذ بالاسباب فهذا ما يقوله المسلمون ، ومنه نعود لاصل كلامنا الاول ، ان الاسباب وحدها من تحدد النصر او الخسارة لان الله لا يستجيب الا بما اعدينا له من اسباب .

      شكرا

      حذف
  2. لكنك تقول بشكل صريح :
    " الظاهر أن قصة الدعاء والتضرع ما هي إلا إضافة خرافية من العصر البدائي تم إضافتها على مسالة الأخذ بالأسباب ، فكما كان البدائيون يتوسلون النصر من الآلهة قبل خوض الحروب ، لا يزال يفعل المسلمون المثل حيث يطلبون النصر من الله ، لكن طبعا و كما نعم فالنصر لا يكون بالتضرع لكائنات خرافية أو أمور ليس له علاقة "
    حدد موقفك هل تعتقد أن الله كائن خرافي وبالتالي الدعاء له ما هو الا عمل من افعال الشعوب البدائية
    ثانيا : ماذا اذا انقطعت الأسباب مثلا كما نعلم عن الأدعية التي دعاها سيدنا يعقوب وسيدنا زكريا عليهما السلام وقصة استجابة الله لدعائه مع انقطاع الأسباب كعقر امرأته و هو شيخ مسن و أنجب ابنه يحي عليه السلام
    منتظر جواب حضرتك

    ردحذف
    الردود
    1. اهلا
      اخي ذلك الكلام كان كلام عن المنهج الخرافي لمفهوم الدعوة ، فكما تدعو قريش هبل ، او يدعو الهندوس شيفا ، او يدعو المسلمون الله ، فكلها امور مثماثلة من حيث الجوهر ، ونحن نعلم انه ليس للدعوة ان تحقق اي شيء خارج اطار الاسباب ، فلماذا لم تتحرر فلسطين بالدعاء منذ اكثر من خمسة ستين سنة اذا كان الدعاء يفيد ، واذا كان لا يفيد فعودا لكلامنا السابق ، وانه لا انجازات الا بالاسباب

      اما عن سؤالك ا لثاني فكلامنا هنا لا يعالج مسألة المعجزة ، الا طبعا اذا كنت تدعي ان الدعاء يتحقق عن طريق المعجزات فهنا وجب السؤال ولماذا لم نرى فلسطين تحرر بمعجزة الدعاء ، ولماذا المقاومة الفلسطينية مهتمة بتهريب الاسلحة ، وليس بتهريب الشيوخ الورعين ليدعوا لها لتنتصر ؟

      سلام

      حذف
  3. أظن أنني كنت واضحا أنا لم أتحدث عن الدعاء لفلسطين أنا أتحدث عن الدعاء لله عند انقطاع الأسباب وهو لغير الأنبياء أيضا لذا لا داعي للمراوغة دع فلسطين جانبا
    كما أن حضرتك لم تجب عن سؤالي بل تهربت وأعيد اطرح السؤال :
    وصفت الدعاء لله بأنه دعاء لكائنات خرافية هل أفهم من ذلك أنك تعتقد أن الله كائن خرافي أرجو من حضرتك أن ترد عن السؤال بصراحة الشجعان وبدون لف ودوران
    خصوصا وأنك مجهول الهوية ولا مبرر لخوفك وتكتمك ، ان كنت تحمل وجهة نظر معينة فكن جريئا للاخر واطرحها بكل شجاعة كما يفعل الشجعان

    ردحذف
    الردود
    1. لا اخي الكريم ، ومعذرة على هذا ، لكنك انت من لا تفهم ما نناقش ، فقضية فلسطين والدعاء لها قضية جوهرية ، لانه كيف نقيس نجاعة الدعاء الا بقاسيه على امر ملموس ، وقضية فلسطين قضية ملموسة ، وهي قضية يدعوا لها جميع المسلمين منذ ستيتن سنة ، وبلا شك بين تلك المليارات منهم ، الورعون والتقات الذين دعوتهم مقبوله ، فلماذا لم تتحرر فلسطين بالدعاء اذا كان الدعاء له قدرة على جلب النصر ؟ الا طبعا اذا كان الدعاء لا معنى له الا بكونه محفز نفسي تستعمله الشعوب الغيبية لرفع الروح المعنوية منذ القبائل البدائية الوحشية

      وعموما الفوز الاخير لتعالب الصحراءعلى كوريا اكد كلامي ، فبعد ترك الجزائريين الدعاء والالتفات للخطط المحكمة فازوا ، بينما سابقا خذلوا وهذا ما يقطع الشك بالقين
      شكرا

      حذف