الثلاثاء، 10 يونيو 2014

الجزائر المجهضة -1-





تنطلق اليوم  وكما هو مفروض أحد أكبر الندوات السياسية في الجزائر منذ الإستقلال ، حيث تجتمع فيها كل الحساسيات السياسية في البلاد لمناقشة الشعار الذي وضعوه وهو ( الانتقال الديمقراطي ،  لكن الحقيقة أنه ومن متابعة كواليس و طبيعة هذه الندوة فلا يمكن القول إلا أنها ندوة مجهضة لجزائر مجهضة ، فالندوة و حين نراها تتحدث عن الانتقال (و الانتقال هو فعل يفيد التغيير كالتغيير من الماضي إلى المستقبل )  فإنها تفعل العكس حين تجمع في ثناياها  كل القوى السياسية الجزائرية الممثلة للماضي  و الغارقة فيه ، فهي ورغم هذا الأمر لا تأتي ولديها قناعة بترك الماضي خلفها لتحاول أن تصنع المستقبل ، بل هي تأتي لتناقش مشاكل الماضي ، بل والانتقام على ما ثم في الماضي .. وهذا طبعا غير مقبول فكيف نصنع المستقبل بأفكار من الماضي ، وهذا عدى طبعا  القوى الماضوية الأخرى المدعوة و التي لا يمكن أن تمثل بالتأكيد أي معنى للتغيير أو للمستقبل .

و أيضا حين تتحدث الندوة عن الديمقراطية ، أو بما يعني السعي نحو دولة حرة أكثر انفتاحا وشفافية و السيادة فيها للشعب ، فإنها تفعل العكس كذلك حيث نجد بين ثنايا الندوة كل المؤشرات التي تفيد بالعكس على غرار استضافة اباطرة الإرهاب و الديكتاتورية الذي صرح أحدهم ذات يوم و عقب انتصار حزبه في الانتخابات التشريعية " أن اليوم هو عرس الديمقراطية ومأتمها "  و الذي لديه كتاب كاملا في نسف الديمقراطية كما سماه (الدمغة القوية في نسف عقيدة الديمقراطية ) وهو طبعا ما يلغي أي معنى أو مبنى لهذا الزعم من كون الندوة تسعى نحو الإنتقال أو نحول الديمقراطية .

لكن ورغم كل هذا  يبقى الأكثر كارثية هي مسالة سبب انعقاد الندوة نفسها والذي من المفروض أن يمثل للجزائريين سبيلا للتخلص مما هو المفروض واقع مزري وبائس ، ليستبدل بواقع ديمقراطي حسن ، فهذه الندوة و في ظل مكوناتها فلا يمكن بأي حال من الأحول توقع أن هذا سيحصل في ظل بنيتها التكوينية القائمة على جمع التناقضات بصيغة التلفيق ، فما يتم إغفاله هنا أن وصفة مثل  هذه (  أي بناء توافق تلفيقي بين المتناقضات السياسية في سبيل تغيير النظام الحاكم  و ترك مسالة التوافق الجوهري لاحقا ) هي وصفة عملية للهلاك الحتمي ، فالمفروض لمن يريد بناء نظام جديد أن يؤسس لقواعد هذا النظام بالتفاهم ، و أن يضع القواعد التي يسير عليها أولا ، ثم بعدها ليذهب نحو التغيير بطريقة أمنة من هواجس الفوضى و التفكك ، لكن من يدع كل التناقضات مختزنة ، ويذهب بإسم التوافق التلفيقي لإسقاط النظام الحافظ للنظام فهذا هو العبث و السير الحتمي نحو الخراب ، وربما من الجيد انه يمكن التدليل على هذا بمثال حي على غرار النموذج المصري ، حين سارت القوى السياسية ( أو بالأحرى الشعب في  إسقاط النظام ) فيما لم تكن هذه القوى اتفقت على شيء لتبني عليه ، وهو ما أدى إلى نشوب الصراعات حول الهوية و طبيعة البلد سريعا بين الفرقاء السياسيين ، وقد كان هذا جليا في حالة كتابة الدستور المصري الذي كتب على يد الأقوى لا يد التفاهم ، ففي ظل أن لا احد اتفق من البداية على مشروع الدولة ، فقد سَهُل للأقوى لاحقا أن يفرض منطقه ، لكون لا يجد من يردعه (  أو إذا عدم الأقوى الذي يفرض سيطرته على غرار ليبيا أن تدخل البلاد في دوامة من الحروب الأهلية لأنه لا يوجد هناك أي تعايش و أي ضمانه لربط الأمور ) وهنا طبعا تتضح خطورة السعي العشوائي نحو إسقاط الأنظمة بدن طرح البديل ،  فما حصل في الحالة المصرية و التي تحاول الندوة تكرارها ، هو انه وبدل أن يكون النظام ضمانة لتبريد رحى الصراعات بين الفرقاء السياسيين إلى حين بناء التوافق ، فقد تركت الأمور لتحل عن طريق ألصراع العبثي  ، وعليه تتحول الدولة إلى ساحة للحروب المفتوحة التي ترهق الشعب ، ويمكن التدليل على عبثية هذا الخيار ، بما لجئ له المصريين في النهاية ، فهم وبعد تلاشي السلطة السياسة الضابطة ووقوعهم في يد العصابات ، لم يجدوا الحل إلا في العودة لدولهم ممثلة في الجيش ، لكون الجيش في الضمانة الوحيدة ضد انقسامات السياسيين وعبثهم ، وضد شبح الدولة الدينية التي خيمت عليه والتي باتت الدولة القمعية تظهر بجانبها كالجنة .

؛ لكن يبقى و مع كل هذا الكلام الذي قلناه في حال الندوة ، والذي يبدو انه منحاز للسلطة (وهو كذلك) إلا أن هناك ما هو أتعس منه وهو حال السلطة الجزائرية نفسها ، فهذه السلطة وبدل أن تبقى محافظة في حدها الأدنى على هيبة الدولة و قواعد النظام و سيادة القانون ليلجئ إليها الموطن هربا من جحيم ما تعده به المعارضة  وتكتفي بهذا الدور ، فهذه السلطة انزلقت مزقا بائسا حين راحت تنبطح للإرهابيين وتتودد لهم  بحثا عن الشرعية و المباركة ، في تصرف مخزي وبائس لا يمكن توقعه في أي سلطة في مثل هذه الظروف ، فإذا كان الشعب يلجئ لدولته للحماية من الإرهاب و الفوضى حينما تشتد الأزمات على غرار ما يتهدد الجزائر ، فكيف والحال في الجزائر أن السلطة هي من توالي الإرهاب و تدعمهم ، وهو ما يضع المواطن الجزائري في خيارين أحلاهما مر ، أو لنقل خيار بين نارين ستحرقانه لا محالة  ؛ نار شبح الفوضى و الخراب الذي تعده به المعارضة ، و نار تقنين الإرهاب و تمكينه  من مفاصل الدولة كما تفعل السلطة ،  و هي في كل الأحوال خيارات لجزائر مجهضة .

.. يتبع ..  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق