الجمعة، 4 أبريل 2014

دولة الخلافة و الأوهام السيوتاريخية .
                 
                                                        
خريطة الحدود الجغرافية لدولة الخلافة في كل حقبة
                

    و أنا أطالع جريدة الشروق اليوم  لفت انتباهي مقال للكاتب الصحفي عبد الناصر بعنوان (من أبي بكر الصديق إلى عمر بن عبد العزيز)  و يتكلم فيه الأخ عن ما سماه "البرامج السياسية التي سار عليها الخلفاء الراشدون قديما" ، والتي كما يقول أنها " سوف تحققت الدولة الإسلامية الفاضلة إذا ما سار عليها حكام الجزائر عقب الإستقلال" .

  
الحقيقة و برأيي حول هذا الطرح ،  فهذا النوع من المواضيع هو نموذج مثالي للأوهام التي  لدينا حول السياسية في تاريخنا الإسلامي ، و أيضا مثال مثالي عن حالة الاختزال الفاضح للفروق التي طرأت بين ذلك الزمن وزمننا الحاضر حول مفهوم الدولة و السلطة والتزاماتها ، فالأخ عبد الناصر يوحي بكلامه وكأن الواقع بين الحالتين (عصر الخلافة وعصرنا ) متطابق  ، وعليه فهو يتصور أن الحلول ستكون متماثلة من حيث المقاربة و التطبيق ، بينما الواقع أن هذا غير صحيح  ، فنحن لو تبعنا حال الخلافة في زمن الرشد  لأمكننا الملاحظة وبكل سهولة الفوارق التي بينها وبين واقعنا اليوم ، وهذا طبعا للدرجة التي تنتفي معها إمكانية المقارنة ، فعلى سبيل المثال في عهد  خلافة أبو بكر الصديق ، لم يكن من مهمة الدولة رعاية الشعب ( طبعا هذا إذا جاز لنا تسميتها دولة بمفهومنا الحديث لها ، فهي في ذلك العصر كانت اقرب للسلطة القبلية منها للدولة )فالدولة في ذلك الوقت كانت دولة الجباية للخراج فقط ، أما الخدمات فهي أمور لم يعرفها ذلك العصر ، وعليه فالحديث عن دولة اليوم بالتزاماتها من تأمين للتعليم والصحة  و الأمن و تشييد المرافق العمومية ومقارنتها بتلك الدولة هو من قبيل الوهم .


  
 على هذا فيمكن القول أن الحديث عن مقاربة بين الدولة في العصر القديم (دولة الخلافة ) والدولة في عصرنا الحالي (الدولة الوطنية الحديثة) هو من قبيل الاختزال المجحف ، فذلك الواقع كان واقعا مختلفا ، و اليوم نحن في واقع أخر ، عدى طبعا انه لم يكن واقعا مثاليا رغم ما نشيعه عنه ، فالحقيقة أن المثالية في ذلك العصر هي محض نتاج لغياب مفهوم إلزامية الرعاية على الدولة ، وليس أن الدولة حققت تلك الرعاية ، وربما يكون ابرز مثال على هذا هو القصة التي حدثت مع أعظم الخلفاء الراشدين الخليفة عمر ، فمن الروايات المنقولة عن عمر أنه كان يطوف في احد الليالي بين الرعية إلى أن وجد سيدة تطبخ الحجارة لأبنائها لتلهيهم ليناموا ، حيث قام حينها بمدها بكيس طحين ؛ طبعا يمكننا الحديث هنا عن حالة مثالية أن الخليفة قام بمساعدة تلك السيدة بكيس طحين وهذا صحيح ، لكن يبقى أن هذا المناخ الذي يصل الأمر فيه بالناس لطبخ الحجارة هو واقع مأساوي وليس فاضل،عدى طبعا انه و حتى بالنسبة للحل اليوتوبي فقط كان حالا آنيا فقط، فكم سيكفي كيس الطحين ذلك تلك السيدة أمام مطالب المعيشة ؟ .
  
إذن وكما نلاحظ فبالنسبة لتاريخينا السياسي فنظرتنا الرومانسية له هي مجرد أوهام لا أكثر  ، وعلى هذا فالأحرى أنه وفي أي حديث جدي عن حال السياسة في واقعنا المعاصر أن يتجاوز هذا الخطاب  ، فما يجوز في حال السرد الرومانسي للتاريخ من قبيل الفخر ، فهو لا يفيد في حال وضع البرامج الدقيقة ، لأن السياسة تبقى على الواقع ، وليس على الوهم .



شكرا .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق