السبت، 28 ديسمبر 2013

اللغة و التقدم المعرفي .                                                                                                                                                           
                                                                                        

تكلمت في المقال السابق (التعريب وحده  لا يكفي ) عن "اللاحل" الذي تمثله سياسية التعريب المتبعة للّحاق بالركب الحضاري ، وقد وضحت في المقال كيف أن هذا الأمر إذا لم يقترن بنهضة حضارية ومعرفية شاملة تغني العربية بإنشاء المصطلحات لا بتبنيها ، و قد ارتأيت لشرح أكثر تفصيلا حول هذا الأمر أن أضيف هذا الموضوع لشرح أوفى ، بالإضافة أيضا إلى محاولة لإزالة اللبس حول بعض التصورات التي تعتبر أن مشكل اللغة يكمن في عدم الاهتمام بها ، وليس كما نرى أنه مشكل عدم وجود تقدم حضاري ومعرفي يدعمها.


لو أخذنا اللغة الانجليزية على سبيل المثال لشرح هذا الأمر لأمكننا الإشارة بكل سهولة أن تفوق الانجليزية اليوم هو نتاج تقدم معرفي صرف ، فهي مثلا تصدر اليوم منشور علمي و أدبي كل دقيقتين ، عدى أنها تعالج يوميا نصف مليون مصطلح ، وأيضا أنها كلغة تمثل ما حجمه 80 % من حجم المعلومات الرقمية على الانترنيت ، و هو الأمر الذي يدفع جميع الشعوب الناطقة بلغة غير الانجليزية (خاصة الغير متطورة ) إلى تعلم الانجليزية من اجل الاستفادة من هذا الإنتاج ، فلكون انه من المستحيل ترجمة هذه البحوث جميعا ، عدى طبعا محاولة ملائمة المصطلحات مع لغتهم الأصلية ، فإن هذه الأمم تقوم بالحل الأسهل وهو تلقين مواطنيها اللغة الانجليزية ليكون مطلعين على العلوم الحديثة من باب المثل الصيني الذي يقول ( أن تعلم ابنك الصيد خير من تطعمه كل يوم سمكة  ) .


الأمر أخر وحول مسالة ريادة اللغة الانجليزية هو ما نلاحظه حول طبيعة خريطة انتشارها ، فمقارنة بالانتشار الذي حققته بفضل الاحتلال نجد أن من يتكلمون الانجليزية بسبب الاحتلال البريطاني لبلدانهم هم 309 مليون ، في المقابل فمن يتكلمون الانجليزية بسبب ريادة الحضارة "الأنجلو - سكسونية" و هيمنتها على إنتاج المعارف هم  400 مليون كلغة ثانية و مليار عن طريق التعليم  ) ما يعني أن الانتشار الذي حصل للغة الانجليزية على طريق" الامبريالية اللغوية" هو لا شيء مقارنة بما حصل لها مع حضورها كلغة ممثلة للتحضر و التطور .. على هذا فما يمكننا استنتاجه ختاما هو أن ريادة اللغة هي نتاج تقدم معرفي صرف ، و أن مسالة الحضور اللغوي هي مسالة تقدم حضاري وتقدم معرفي لا غير ، فقد تستطيع لغة ما أن تفرض نفسها بقوة الأمر الواقع (احتلال أو غزو .. مثلا ) ، لكن هذا لن يجعل منها لغة عالمية ، في المقابل فقد تكون اللغة غير استعمارية مطلقا لكنها يمكن أن تفرض نفسها على العالم ، على هذا فالأحرى القول أن لمن يريد أن يجعل لغته لغة رائدة أن أولى الخطوات هي السعي نحو نهضة معرفية وحضارية شاملة ، لان هذا هو السبيل الوحيد للريادة اللغوية في عصرنا الحالي ، أما ما عدى ذلك ، فبلا شك كله مصيره الفشل مهما ما بذل عليه من مجهود .

      روابط لبعض الإحصائيات حول الانجليزية التي أستند عليها الموضوع شكرا .
http://www.englishlanguageguide.com/facts/stats/
http://en.wikipedia.org/wiki/Books_p...untry_per_year
http://esl.about.com/od/englishlearn..._eslmarket.htm
                                                                                                                                                   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق