الأربعاء، 29 يناير 2014

في غياب معنى العلم .  
                                                          

بعد المقالين السابقين عن أزمة التعليم (سواء من جانب المدرسة أو من جانب المجتمع) ، والتي ناقشت فيها أسباب تدهور التعليم في الجزائر ، كان من بين الردود الكريمة التي جاءتني عليها هو الرد التالي من الأخت الكريمة "أماني أريس" .

   "في الحقيقة حالة المدرسة في مجتمعنا اليوم هي محل الشاهد ،  فبنظرة خاطفة على منظومتنا التربوية منذ الاستقلال نجد انها غيرت مناهجها و أحدثت العديد من التطورات بغية مواكبة العصر ، غير أنها لم تعنى بدراسة الواقع قبل صياغة هذه المناهج لان المدرسة والمجتمع حلقتان متكاملتان لا يمكن بأية حال من الأحوال تغليب تاثير أحداهما على الأخرى ، ولعل نتائج مبدا الكفاءات الذي استحدثته في السنوات الأخيرة والذي يعتمد بشكل أساسي على جهد التلميذ وتوجيهه الى ميدان البحث خير دليل على فشل الخطوة ، فالمنظومة تبنت أفكار مجتمعات تفوقنا في التنمية البشرية والاجتماعية والتكنولوجية وهلم جرا بعقود من الزمن وحاولت إسقاطها على مجتمعنا دون الالتفات الى حجم الهوة ، فحتى المبادرات الميدانية التي يحتاجها هذا النظام التعليمي الجديد لا تمارس في بلادنا بربع ما تمارس في دول اخرى استوحينا منها المناهج التربوية ومضامينها فكيف بالله ننتظر أن تكون النتيجة ؟ فتلميذ اليوم أصبح يعمد على ما اتيح له بالمقابل من وسائل جرد ونقل او بالأحرى استخراج جاهز للمعلومات دون ابسط محاولة للاطلاع على ما جاء فيها وكذلك الاستاذ اكتفى بتلقين ما جاءه في المنهاج دون عناء وفي هذه النقطة بالذات يدخل دور المجتمع ومدى تاثير المستوى الفكري والاخلاقي للفرد وللتبسيط اكثر : في تدريس اللغات مثلا الأستاذ مهما بذل من جهد فالوقت المحدد له لن يفي بالغرض ولن يكفي لاعطاء اكثر مما جاء في مذكرة درسه يبقى جهد تسعين بالمائة يعتمد على التلميذ فهل وجد هذا التمليذ بيئة اسرية تعنى بالمطالعة ؟ هنا يكمن الخلل ."

وحقيقة بعد قراءة هذا الرد لم أستطع إلا أتساءل حول مصداقية التحليلات التي سبق وذكرت ، فهل حقا أزمة التعليم في الجزائر  هي أزمة مدرسة ومجتمع ؟ أم أن الأمر ربما يكون أعمق من هذا و هو أن هناك أزمة لمفهوم العلم ودوره داخل المجتمع الجزائري من الأساس ، فكما نعلم لا يمكن لأي مدرسة أو جامعة أن تؤدي دورها في نشر العلم  إلا اذا كان ذلك المجتمع له تصور واضح لمعنى العلم ، وعليه فبالنسبة للجزائر ربما مشكل التعليم الحاصل حاليا ليس سوءا في طريقة التعليم أو غيابا للنزعة العلمية لدى المواطنين.. بل الأمر ربما هو فقدان لمعنى العلم لدى الناس ، فحين فقد المعنى و المغزى من العلم  انتهى الحال إلى حالة من الفشل المدرسي ، و شخصيا وبالنسبة لهذا الافتراض فأرى أنه ربما يكون هو التوصيف الصحيح لهذه الحالة ، لأنه برأيي لا يمكن تفسير هذا النزوع المجتمعي العام نحو "اللاعلمية" إلا إذا كان الأمر هو غياب لمعنى العلم لدى الناس  ، وبالنسبة لهذا  الإدعاء فأرى أن هناك بعض الأسباب التي قد تكون الدافع الرئيس لهذا المنحى وهي :

واحد : لربما يكون الفرد في بلادنا فقد الاهتمام بالعلم لان العلم لم يعد الوسيلة المثلى للنجاح ، فاليوم وكما نلاحظ جميعا في الجزائر لا يعني أن تكون متعلما أن تكون ناجحا ، فقد تكون تحوز أعلى الشهادات لكنك تبقى عاطلا عن العمل ، عدى طبعا مأساة أن ترى من لا يستحقون يأخذون مكانك بإسم المحسوبية و الرشوة ، على هذا فالناس بالعموم ولت وجهوها نحو أمور أخرى للاهتمام  بها ( الأعمال الحرة ، الاحتيال .. الفساد ..الخ) فهذه الأمور قد تضمن لك النجاح و الارتقاء في السلم الاجتماعي ، على عكس العلم الذي ستظل معه فقيرا معدوما .

ثانيا : لربما يكون سبب بعد المجتمع عن العلم نابع من اليأس في التفوق فيه ، فكما نعلم اليوم أمم العالم جلها تفوقنا بأشواط في المسائل العلمية ، لهذا فقد يكون هذا الأمر أدى لحالة من الإحباط في تحصيل العلم لدى الناس ، فما الفائدة من الجري في سباق محسوم النتائج ، وما فائدة مقارعة من لا يمكن هزمهم ، وعلي فربما يكون المجتمع تخلى عن فكرة التطور العلمي لأنه يعلم (أو على الأقل يرى ) مسبقا انه خاسر فيه .

 ثالثا : لربما يكون السبب أيضا أننا مجتمع يخاف العلم  (أو بمعنى أدق يخاف من التغييرات التي سيؤدي لها العلم في حال تبينه كمنهج حياة)  ، فكما نعلم لا يمكن لمجتمع أن يتبنى العلم بدون يؤدي هذا إلى تغيير نمط حياته ، لهذا فقد يكون المجتمع الجزائري مصابا بحالة من الرهاب من العلم لأنه يرفض تغييره ، وشخصيا أرى هذا واقعا لان العلم يقوم على الصدق و على الانضباط و على الوضوح ، و أيضا على المعتقدات العقلانية ، في المقابل فمجتمعنا لا تزال فئات كثيرة منه تعتاش على الدجل و الشعوذة والخرافة ، وهذه الفئات بلا شك لن يفيدها أي نزوع نحو العلم لهذا فهي ستعمل على  تعطيل أي مسعى نحوه.

عموما لا يمكني الجزم تماما بأي من هذه الاحتمالات الثلاث هو الاحتمال المؤكد أو أنها كلها مؤكدة ، لكن برأيي يبقى أن هذه الاحتمالات كلها تجيب على سؤال سبب غياب تصور العلم لدينا ، فسواء الطالب الذي يعتبر العلم ليس وسيلة النجاح ، أو المجتمع الذي يرى في العلم طريقا مسدودا ، او حتى بالنسبة للفئة التي يفيدها الجهل و الخرافة ، فهؤلاء جميعا بلا شك سيكونون معوقا نحو المسار التطوري الطبيعي للعلم ، وعليه فهؤلاء بتصوراتهم هذه يؤدون جميعا إلى  هذه الحالة من التذبذب و الخمول  بل والرفض إتجاه العلم   .. وهي طبعا السبب الذي أدى إلى لاعلمية مجتمعنا.

شكرا .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق