الأربعاء، 17 سبتمبر 2014

الإسلام والعقلانية -9- .



 العقلانية الإسلامية المبكرة .

 إن معنى أن تدعي الكمال و الشمولية بينما أنت في الأصل لست كذلك يعني ببساطة انك تختار طريقا مليئا بالجدل و الكلام  ، حيث انه وفي كل مرة تواجه فيها ستبقى تطاردك الأسئلة عن كمالك وشموليته المفترضة ، وهذا بالذات ما جرى للإسلام بعد الخطوة التي سارت فيها الدولة الإسلامية بإعلانها للإسلام دينا موضوعيا متكاملا على خلافه حقيقته ، حيث أنه مباشرة ومع ظهور أولى الأجيال من المسلمين الوراثيين (أي الذين فرض عليهم الإسلام من الأسرة ولم يؤمنون به طوعا كالجيل الإسلامي الأول )  فقد بدأت الأسئلة تنهال على الإسلام لتستفسر عن مظاهر الكامل و الموضوعية فيه ، و هو عموما الأمر البديهي فحين تدعي الكمال فسيسألك السامعون و أين كمالك ؟ ، لهذا فقد كان واضحا في تلك الفترة أن الإسلام مقبل على صراع فكري جديد خلافا للصراع الذي خاضه مع قريش ، مع فارق طبعا أن الإسلام في زمن قريش لم يدعي الكمال ، فيما في هذه الحالة كان الإسلام مقبلا على الجدل وهو يفترض أنه دين متكامل ( بما يعني أنه في موقف أضعف ) ؛ لكن عموما يمكن القول أن المسلمين العقلانيين في هذه الفترة لم يذهبوا مباشرة للصدام مع الدين بما قد يشكل  خطورة عليه وهو في حالته هذه ، فهم وفي جميع اعتراضاتهم على فكرة كمال الإسلام لم يسعوا بها لنقض الدين بالأساس ، بل هم حاولوا بالعموم إيجاد أجوبة لأسئلتهم داخل إطار الدين نفسه ، بمعنى أن العقلانية الإسلامية المبكرة في تلك اللحظة لم تحاول نقض الدين ، أو على الأقل القول بضرورة إرجاعه لحالته الذاتية الأولى ؛ لكنها حاولت إصلاح الدين (أو بعبارة أدق إصلاح القراءة التي يطرح بها ) والتي اعتبرت بنظرهم مغلوطة بما كان ينفي عن الدين القول بالموضوعية المزعومة فيه ، وكان من بين هؤلاء الأوائل من العقلانيين "فرقة الجهمية " مثلا ، فالهمجية من الفرق التي اعترضت على القصور العقلاني في الإسلام كما كان يطرح في تلك الآونة ، وقد سعت من هذا المنطلق إلى إعطاء أطروحات أكثر عقلانية لتفسير أكثر منطقية للدين ، ويمكن تلخيص الفلسفة الجهمية عموما ( و هي الفرقة التابعة لجهم ابن صفوان ) أنها فلسفة لم تهضم فكرة صفات الله ، حيث مثلث هذه الصفات حالة من التناقض المنطقي لديهم ، فعلى سبيل المثال كان جهم بن صفوان يتساءل كيف يمكن أن يكون الله عليما ( أي أن يعلم بالغيب ) كما يأتي في سورة الحديد الآية 22 ( ما أصاب من مصيبة في الارض وفي أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ) وفي نفس الوقت أن يحافظ على علمه السابق من التغير رغم تغير الحوادث حيث كان يقول : و لا يجوز أن يعلم الله الشيء قبل خلقه لأنه لو علم ثم خلق أفبقى علمه على ما كان أم لم يبق ؟ فأن بقى فهو جهل، فإن العلم بأن سيوجد (الشيء) غير العلم بأنه قد وجد. وأن لم يبقى فقد تغير.والمتغير مخلوق ليس بقديم" (  الملل ك النحل، ج 1 ، مصدر سابق، ص 86 - 87)  .

يتبع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق