بالنسبة لهذا الادعاء فالرد حقيقة
انه لا يمكن القول أن الإعجاز القرآني إذا حدث هو بالضرورة دليل على أن الغيب
المطلوب الإيمان به صحيح ، فمن الناحية العلمية لا يعني بالضرورة أن تكون هناك معجزة
أنها بالضرورة من خالق الكون ، أو أنها تبرر الأمور الغير معقولة ، وسنعطي المثال
التالي للتوضيح .
نعلم جميعا أن الرواية الإسلامية
المؤسسة الوحي الإلهي (القران ) تقول أن الملك جبريل قد جاء للنبي صلعم في غار
حيراء و أوحى إليه بالقران ، و أن النبي صلعم و المسلمون وبعد رؤيتهم للإعجاز في
هذا الوحي تأكدوا أن هذا الوحي (القران) هو من خالق الكون ؟ حاليا ولو تلاحظوا فهذا الزعم ومن الناحية
العلمية مغلوط فمثلا من قال أن من زار النبي هو رسول من خالق الكون ؟ فهل النبي مثلا
تأكد انه رسول الله ؟ وهل النبي كان له اطلاع سابق برسل الله ليحدد من هو الرسول
القادم من الله ، و من هو الرسول القادم من غير عند الله ؟ طبعا الجواب البديهي على هذا السؤال هو لا ،
فالنبي لا يمكنه تحديد من هذا الكائن الذي زاره و الذي قد يكون أي شيء فالنبي (و أي
نبي غيره ) ليس على إطلاع بالكائنات الموجودة في الكون ليقول أن هذا رسول من الله
و أن هذا ليس رسول ، وعليه فالقصة
الإسلامية كما نرى ومع فرض صحتها من الناحية العلمية فهي غير يقينية ، فأقصى ما نستطيع الجزم به هو " كائنا
خارقا" زار النبي صلعم في غار حيراء وقال له اقرأ .. وأن هذا الكائن منحه
معرفة إعجازية ، لكن طبعا في حالة مثل هذه فلا يمكن الجزم يقينيا أن من زار النبي
هو رسول من الله ، فكل ما لدينا هو أن كائنا زار النبي وأعطاه معرفة إعجازية ، أما
عن أصله وفصله ، وكل ما عدى ذلك فلا احد
يمكنه التأكد ، لأن ذلك الكائن لا يفترض فيه الصدق بالضرورة إذا أدعى أنه من الله
، ومنه فقد يكون هذا الكائن مجرد كائن فضائي أو جن و شيطان أو أي شيء (وهذه وجهة
نظر) وهنا يجب الانتباه أن النبي نفسه لم يكن متأكد مما رأى في هذه الحادثة ، حيث
ووفق الرواية الإسلامية فقد عاد النبي صلعم بعد هذه الحادثة مذعورا إلى بيته ،
وقال للسيدة خديجة زملوني زملوني ، حيث أن السيدة خديجة هي التي لاحقا حاولت التثبت
من طبيعة هذا الكائن وفق ما جاء عن الطبراني 1 والتي انتهت إلى القول حين كان ذلك
الكائن يختفي حال تعرية الشعر أنه ملاك ، لكن طبعا يبقى هذا الافتراض افتراضا هو
الأخر غير علمي ، فمن قال أن الملائكة تفزع من الشعر العاري فهل هناك قاعدة علمية
حول هذا الأمر ؟ ثم من قال أنه ليس شيطان يمارس التحايل فهذا وارد ؟ ثم من قال وإذا جزمنا أنه ملاك أن يكون جبريل ؟
ومنه وكما نرى ففكرة أن يكون الله هو المصدر للوحي كلها قصة هشة من حيث البنيان
العقلاني ، وإذا أردنا الدقة فالأصل لدى المسلمين هو الإيمان بصحة ما جاء عن النبي
، لكن ليس أنهم يوقنون أن ما جاء به النبي صحيح ، فالنبي وكما وضحنا لا دليل علمي
عقلاني على صحة ما جاء به حتى جزمنا أنه صحيح ، ومنه فالأصل في الإيمان الإسلامي
أنه إيمان لا عقلاني و أنه قائم على تصديق ما جاء به النبي لا أكثر ، فالمسلمون لا
يملكون دليل عقلاني على إيمانهم غير التصديق بالفرضيات التي أفترضها النبي صلعم ،
والسيدة خديجة .
وطبعا وكما نرى هنا ففكرة أن يكون
المسلم عقلانيا مع معتقده هي فكرة غير ممكنه ، فعلى الأقل ومن ناحية اليقين الكلي
من مصدر الوحي فهذا غير ممكن ، ومنه فالإسلام في واقعه لا يقوم على أساسا اعتقاد
عقلاني ، بل يقوم على أساس الإيمان الغيبي
كما يقول هو نفسه في سورة "البقرة" الآية
3 (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) و الغيب كما نعلم هو ما لا يمكن إثباته ، فلا وجود يقيني على الغيب لأنه بالأساس غيب .
الخاتمة.
ومن هنا وكما وضحنا ، فعقلانية
المسلم لها شقين (معتقدي ومجتمعي ) و المسلم يمكن أن يكون عقلانيا في واحدة منهما
فقط و بالتحديد تلك المطلوبة منه ، أما العقلانية التي ليست مطلوبة منه (عقلانية
الاعتقاد فهو لا يستطيع عقلنتها ، لكن
يبقى انه ومادامت عقلانية الاعتقاد غير مطلوبة في ظل حرية العقيدة فليس على احد
محاسبة المسلم على خرافية إيمانه ، فخرافية الإيمان إذا كانت ذاتية فهو حر فيها ،
والمسلم ومدام لا يجنح للإرهاب أو العنف ، فهو حر يعبد وهم يعبد صنم ، فكلها حرية شخصية و المسلم هنا قد أدى ما عليه
.
____________________________________
1 ) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عِرْسٍ الْمِصْرِيُّ ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ نَضْلَةَ
الْمَدِينِيُّ ، ثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِهْرِيُّ ، حَدَّثَنِي
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ،
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ،
حَدَّثَتْنِي أُمُّ سَلَمَةَ ، عَنْ خَدِيجَةَ ، قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، يَا ابْنَ عَمِّي ، هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا جَاءَكَ الَّذِي يَأْتِيكَ
أَنْ تُخْبِرَنِي بِهِ ؟ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " نَعَمْ يَا خَدِيجَةُ " . قَالَتْ خَدِيجَةُ : فَجَاءَهُ
جِبْرِيلُ ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا خَدِيجَةُ هَذَا صَاحِبِي الَّذِي
يَأْتِينِي قَدْ جَاءَ " ، فَقُلْتُ لَهُ : قُمْ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِدِيَ
الأَيْمَنِ ، فَقَامَ ، فَجَلَسَ عَلَى فَخِدِيَ الأَيْمَنِ ، فَقُلْتُ لَهُ :
هَلْ تَرَاهُ ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ " ، فَقُلْتُ لَهُ : تَحَوَّلْ
فَاجْلِسْ عَلَى فَخِدِيَ الأَيْسَرِ ، فَجَلَسَ ، فَقُلْتُ : هَلْ تَرَاهُ ؟ ،
قَالَ : " نَعَمْ " ، فَقُلْتُ لَهُ : فَتَحَوَّلَ فَاجْلِسْ فِي
حِجْرِي ، فَجَلَسَ ، فَقَالَتْ لَهُ : هَلْ تَرَاهُ ؟ ، قَالَ : " نَعَمْ
" ، قَالَتْ خَدِيجَةُ : فَتَحَسَّرْتُ وَطَرَحْتُ خِمَارِي ، وَقُلْتُ لَهُ
: هَلْ تَرَاهُ ؟ ، قَالَ : " لا " ، فَقُلْتُ لَهُ : هَذَا وَاللَّهِ
مَلَكٌ كَرِيمٌ ، لا وَاللَّهِ مَا هَذَا شَيْطَانٌ ، قَالَتْ خَدِيجَةُ :
فَقُلْتُ لِوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ
قُصَيٍّ ذَلِكَ ، كَمَا أَخْبَرَنِي بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ
وَرَقَةُ : حَقًّا يَا خَدِيجَةُ حَدِيثُكِ "المعجم الأوسط " ص
6744 .
شكرا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق