لكن طبعا و رغم هذا الموقف
النبوي الواضح في تأكيده على ذاتيه الدين
ورفضه الصريح تقديم الأدلة على نبوءته بالمعجزات ، إلا أن هذا الموقف يعود لان يتم
نقضه من طرف المسلمين ، حيث نجد وفي عصور لاحقه أن المسلمين سيقومون بتلفيق بعض
المعجزات للنبي لتأكيد نبوءته على غرار
قضية انشقاق القمر ، وهو ما يوضح لنا أن منشأ الزعم بعقلانية الدين لم يكن طرحا إسلاميا
بالأساس فالنبي رفض أي محاولة من هذا القبيل ؛ لكنه كان طرحا من المسلمين المتأخرين
الذين حاولوا ترقيع هذه الثغرة بنظرهم في جدار الإسلام ، و بالنسبة لهذا الأمر (أي
لما اعتبر المسلمون فكرة أن النبي بلا معجزات هي ثغرة ) فهذا بنظرنا لسببين :
الأول : أنه و بالنسبة للعقل
القديم (عقل العوام الأميين عموما ) فلا يمكن الاعتماد سوى على المعجزة كدليل
نبوءة ، فالعقل البسيط عموما لا يستطيع فهم المحاجات المنطقية المعقدة للتأكد من
أصالة الوحي ، وعليه كانت فكرة تلفيق معجزة هو السبيل الوحيد لدعم
الإسلام ، فتصور دين بلا معجزات لإقناع الناس البسطاء هي فكرة صعبة ( وإلى الآن تؤدي هذه المعجزات المفبركة دورها
في تثبيت اليقين لدى البسطاء من المسلمين ) .
الثاني : هو تحول الإسلام من دين
إلى أيدلوجيا تتبناها الدولة الإسلامية ، فالدولة الإسلامية وبعد تبنيها للإسلام كايدولوجيا
توسعية تستخدمها لتبرير غزو الدول الأخرى بما يعرف بـ "الجهاد لنشر كلمة
الحق" ، فقد كان لابد لها من جعل هذا الدين صالح للمنافحة لقهر أفكار الخصوم ،
ومنه ومن هذا المنطلق فقد تم وبمعية الدول الإسلامية تغيير طبيعة الدين الإسلامي
من "دين ذاتي يقر بكل شفافية انه بلا معجزات " إلى" دين يدعي
العقلانية و الكمال المطلق" وهو ما
سيقلب الإسلام رأسا على عقب ، ففيما كان الإسلام يقول (لكم دينكم ولي دين) ، وانه
(لا أكراه في الدين ) أو حتى كالتصريح الخطير للنبي والذي يقر فيه لقريش بصراحة
أنه ربما يكون على خطأ حين يقول في سورة سبأ الآية 24 (وإنا أو
إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين )
عاد الإسلام وبراعية الدولة الإسلامية ليتحول إلى حقيقة مطلقة لا تقبل الجدال أو حتى الاعتراض بتبريرات كأية
السيف و غيرها من الآيات التي لا تزال تثير الجدل إلى اليوم ، وهو ما يوضح لنا أن المرحلة الأولى من الإسلام
حقيقة قد كان واضحا فيها بشده ذاتية الاعتقاد ، وانه والى تلك الفترة فقد كان الإيمان
جميعه إيمان تصديقيا 1، في المقابل فالفترة التي عرفت المزاعم بعقلانية الإسلام
وكماله ، هي فترة التي نشأة فيها الدولة الإسلامية ، والتي تحول الإسلام فيها من
الذاتية لمزاعم الموضوعية ؛ ومن الدين المتقبل للآخر إلى المعادي للمعادي له ، وعموما هو تحول سيدفع ثمنه المسملون غاليا لأنه أول ما سيؤثر سيؤثر على المسلمين أنفسهم ، حيث أن تحويل الإسلام إلى
أيدلوجيا تدعي الكمال أدى به إلى الصدام مع المسلمين أنفسهم ، حيث وعلى خلاف المسلم
المصدق طوعا كما في الحقبة الأولى ، سيخرج
المسلم المولود في بيئة مسلمة باحثا عن إجابات ، وفي ظل أن الإسلام يدعي الكمال
فيما هو لا يحوزه ، فهذا سيخلق بالضرورة صدام بينه وبين المسلمين ، وهو سيؤدي لاحقا لازمة التكفير التي ستظهر مباشرة بعد بدا المسلمين في محاكمة الإسلام عقلانيا .
___________________________________
1 يمكن القول أن خير مثال على هذا الأمر
هو الصحابي أبو بكر الصديق ، صديق النبي الأول و رفيق دربه ، حيث أن شخصية أبو بكر
تمثل النموذج للمؤمن على أساس التصديق ، لا المؤمن على أساس الاقتناع ، فمثلا في حادثة الإسراء و المعراج فأبو بكر وكما جاء في السيرة قد صدق كلام النبي بلا نقاش في تلك القضية ، وحيث كان بالنسبة له أن قول النبي لشيء هو
الدلالة على صدقه ، ومنه كان أن لقبه المسلمون بالصديق ، وهي مرتبة متقدمة من
مراتب أهل الجنة تدعى مرتبة الصديقين ( أي الذين يصدقون بلا سؤال) .
يتبع ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق