و يجدر الإشارة هنا أن الدولة
الإسلامية (وتحديدا قادتها من الخلفاء العباسيين الذين تبنوا الفكر المعتزلي ) فهم
لم يعتقدوا في أي مرحلة من المراحل أن هذه ستكون النهاية ، فهم عموما كانوا يعتقدون
بكمال القران وبقدرته على منافحة العالم كما تم تلقينهم ، لهذا فقد انفتحوا على الفلسفات
الأخرى وعلى الفكر بدون أي توجس كما نحن نجد في بيت الحكمة الذي أفتتحه الخليفة هارون
الرشيد ، والذي تولى ترجمة الأعمال الفكرية و العلمية للأمم الأخرى ، لكن الذي حصل
أن الدولة الإسلامية وبعد هذا الانفتاح قد فوجئت بحقيقة ضحالة المنتج الفكري
المحلي مقارنة بما اطلعت عليه ، فبعد الانفتاح على الثقافات الأخرى وتحديدا
اليونانية ، فقد وقعت الدولة الإسلامية في حرج مما لديها لأن الأفكار التي ترجمتها
( وتحديدا الفلسفة ) كانت متقدمة جدا على ما لدى المسلمين ،و هو ما أدى إلى زعزعة
المعتقدات الإسلامية المبنية على المنطق السطحي ، لهذا فالدولة الإسلامية لاحقا و
لتدارك هذا الأمر الخطير فقد ذهبت إلى فكرة أن المعرفة عموما والفلسفة خصوصا هي أمر
خطير على الدولة الإسلامية ، وهو ما نراه جليا في المرسوم الذي أصدره الخليفة
القادر ( 991 -1031 م) و المعروف بالوثيقة القادرية أو (الإعتقاد القادري) 1 سنة 408هـ ، فهذه الوثيقة تمثل إعلان
رسمي للحرب العقلانية ، فهي قد حددت أطر مسطرة يعتبر كل من حاد عنها كافرا ، وقد
كانت موجهة بالتحديد للجماعة العقلانية وعلى رأسهم المعتزلة القائلين بخلق القرآن
عدى من قد يظهرون ويكونون امتدادا لهم ؛ و يمثل من ناحية أخرى سطوع نجم فقيه كأبو
الحسن الأشعري وتبني الدولة في زمن الخليفة القادر لمذهبه ، الوجه الأخرى لهذه
الحرب على العقلانية ، فالرجل ومن الناحية الفكرية لا يمكن القول أنه يحوز أي جسارة
فكرية لينافح المعتزلة أو أن ينتصر عليهم ، لكنه دعم و إستمر لأنه بالأساس أستحضر
ليؤدي دوره في ملئ الفراغ الذي نشاء بعد انقلاب الدولة على المعتزلة ، فسواء الأشعري
أو الغزالي أو غيره من فقهاء الدولة من الأصوليين (أهل الحديث وفق التسمية القديمة
) ، فكلهم صنيعة الدولة الإسلامية للحرب على العقلانية ، وهم مثلهم مثل المعتزلة
قد تم استحضارهم للقيام بدور معين وهو خدمة أيدلوجيا الدولة ، لكن الفارق أنه بينما
كانت الدولة الإسلامية في البداية تحاول المنافحة على الأفكار الأخرى بالعقل والمنطق
زمن المعتزلة ، فهي قد تحولت إلى دولة معادية للعقلانية زمن
جماعة النقل 2.
_______________________________________
1 نص الوثيقة القادرية
.
.
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد الفراء قال : أخرج الإمام القائم بأمر الله ؛ أمير المؤمنين أبو جعفر أبن القادر بالله ـ في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة ـ الاعتقاد القادري ؛ الذي ذكره القادر ؛ فقرأ في الديوان ، وحضر الشيخ أبو الحسن علي بن عمر القزويني ، فكتب خطه تحته قبل أنْ يكتب الفقهاء ، وكتب الفقهاء خطوطهم . فيه إنَّ هذا اعتقاد المسلمين ومن خالفه فقد فسق وكفر وهو : يجب على الإنسان أنْ يعلم أنَّ الله جل جلاله وحده ، لا شريك له ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، وهو أول لم يزل ، وآخر لا يزال ، قادر على كل شيء ، غير عاجز عن شيء ، إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، غنيٌ غير محتاج إلى شيء ، لا اله إلاَّ هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ ، لا يستوحش من وُحْدَةٍ ، ولا يأنس بشيء ، وهو الغني عن كل شيء ، لا تخلفه الدهور والأزمان ، وهو خالق الدهور والأزمان ، والليل والنهار ، والضوء والظلمة ، والسماوات والأرض وما فيها من أنوع الخلق ، والبر والبحر وما فيهما ، وكل شيء حيٍ أو موات أو جماد ، كان ربنا وحده ، لا شيء معه ، ولا مكان يحويه ، فخلق كل شيء بقدرته ، وخلق العرش لا لحاجته إليه ، فاستوى عليه كيف شاء وأراد ، لا استقرار راحة ؛ كما يستريح الخلق ، وهو مدبر السماوات والأرضين ، ومدبر ما فيهما ، ومن في البر والبحر ، ولا مدبر غيره ، ولا حافظ سواه ، يرزقهم ويمرضهم ويعافيهم ويميتهم ويحييهم ، والخلق كلهم عاجزون والملائكة والنبيون والمرسلون والخلق كلهم أجمعون ، وهو القادر بقدرة ، والعالم بعلم أزلي غير مستفاد ، وهو السميع بسمع ، والمبصر ببصر ، يعرف صفتهما من نفسه ، لا يبلغ كنههما أحد من خلقه ، متكلم بكلام لا بآلة مخلوقة كآلة المخلوقين ، لا يوصف إلاَّ بما وصف به نفسه ، أو وصفه به نبيه صلوات الله عليه وكل صفة وصف بـها نفسه ؛ أو وصفه بـها رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فهي صفة حقيقية لا مجازية ، ويُعلم أنَّ كلام الله تعالى غير مخلوق ؛ تكلم به تكليما ؛ وأنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل ؛ بعد ما سمعه جبريل منه ؛ فتلاه جبريل على محمد ؛ وتلاه محمد على أصحابه ؛ وتلاه أصحابه على الأمة ، ولم يصر بتلاوة المخلوقين مخلوقا ؛ لأنه ذلك الكلام بعينه الذي تكلم الله به ؛ فهو غير مخلوق [فبكل] حال [ الكلمة مطبوعة في المنتظم كما هي بين القوسين (فبكل ) والأمر غالبا خطأ مطبعي أو خطأ في اللغة فلا بد أنْ تكون الكلمة هي "في كل حال " ليصح الكلام ] متلوا ومحفوظا ومكتوبا ومسموعا ، ومن قال : إنَّه مخلوق على حال من الأحوال ؛ فهو كافر حلال الدم بعد الاستتابة منه ، ويعلم أنَّ الإيمان قول وعمل ونية ؛ وقول باللسان وعمل بالأركان والجوارح ؛ وتصديق به يزيد وينقص : يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وهو ذو أجزاء وشعب ، فأرفع أجزائه لا اله إلاَّ الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الأيمان ، والصبر من الإيمان بمنـزلة الرأس من الجسد ، والإنسان لا يدري كيف هو مكتوب عند الله ، ولا بماذا يختم له ، فلذلك يقول : مؤمن إن شاء الله ، وأرجو أنْ أكون مؤمنا ، ولا يضره الاستثناء والرجاء ، ولا يكون بـهما شاكا ؛ ولا مرتابا ، لأنه يريد بذلك ما هو مغيب عنه ، من أمر آخرته وخاتمته ، وكل سيء يتقرب به إلى الله تعالى ؛ ويعمل لخالص وجهه من الطاعات : فرائضه ، وسننه ، وفضائله ، فهو كله من الإيمان منسوب إليه ، ولا يكون للإيمان نـهاية أبدا ؛ لأنه لا نـهاية للفضائل ؛ ولا للمتبوع في الفرائض أبداً ، ويجب أنْ يحب الصحابة من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم ، ونعلم أنـهم خير الخلق بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنَّ خيرهم كلهم وأفضلهم بعد رسول الله ـ صلى الله علية وسلم ـ أبو بكر الصدِّيق ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم ، ويشهد للعشرة بالجنة ، ويترحم على أزواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن سب سيدتنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ فلا حظ له بالإسلام ، ولا يقول في معاوية ـ رضي الله عنه ـ إلاَّ خيرا ، ولا يدخل في شيء شجر بينهم ، ويترحم على جماعتهم ، قال الله تعالى :] وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [ (الحشر:10) وقال فيهم : ] وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [ (الحجر:47) ولا يكفر بترك شيء من الفرائض غير الصلاة المكتوبة وحدها ، فإنه من تركها من غير عذر وهو صحيح فارغ حتى يخرج وقت الأخرى فهو كافر ؛ وإنْ لم يجحدها ، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( بين العبد والكفر ترك الصلاة ) . فمن تركها فقد كفر ، ولا يزال كافرا حتى يندم ويعيدها ، فأنْ مات قبل أنْ يندم ويعيد أو يضمر أنْ يعيد ، لم يصلَّ عليه وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن أبي خلف ، وسائر الأعمال لا يكفر بتركها ، وإنْ كان يفسق حتى يجحدها ، ثم قال : هذا قول أهل السنة والجماعة ؛ الذي من تمسك به كان على الحق المبين ؛ وعلى منهاج الدين والطريق المستقيم ، ورجا به النجاة من النار ؛ ودخول الجنة إنْ شاء الله تعالى ، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وعلم الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم . وقال عليه السلام : أيما عبد جاءته موعظة من الله تعالى في دينه ، فإنـها نعمة من الله سيقت إليه ، فإن قبلها يشكر ، وإلاَّ كانت حجة عليه من الله ؛ ليزداد بـها إثماً ويزاد بـها من الله سخطا ) جعلنا الله لآلائه من الشاكرين ؛ ولنعمائه ذاكرين ، وبالسنة معتصمين ، وغفر لنا ولجميع المسلمين .
أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ ، حدثنا أبو الحسين محمد بن محمد الفراء قال : أخرج الإمام القائم بأمر الله ؛ أمير المؤمنين أبو جعفر أبن القادر بالله ـ في سنة نيف وثلاثين وأربعمائة ـ الاعتقاد القادري ؛ الذي ذكره القادر ؛ فقرأ في الديوان ، وحضر الشيخ أبو الحسن علي بن عمر القزويني ، فكتب خطه تحته قبل أنْ يكتب الفقهاء ، وكتب الفقهاء خطوطهم . فيه إنَّ هذا اعتقاد المسلمين ومن خالفه فقد فسق وكفر وهو : يجب على الإنسان أنْ يعلم أنَّ الله جل جلاله وحده ، لا شريك له ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، ولم يكن له شريك في الملك ، وهو أول لم يزل ، وآخر لا يزال ، قادر على كل شيء ، غير عاجز عن شيء ، إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، غنيٌ غير محتاج إلى شيء ، لا اله إلاَّ هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ ، لا يستوحش من وُحْدَةٍ ، ولا يأنس بشيء ، وهو الغني عن كل شيء ، لا تخلفه الدهور والأزمان ، وهو خالق الدهور والأزمان ، والليل والنهار ، والضوء والظلمة ، والسماوات والأرض وما فيها من أنوع الخلق ، والبر والبحر وما فيهما ، وكل شيء حيٍ أو موات أو جماد ، كان ربنا وحده ، لا شيء معه ، ولا مكان يحويه ، فخلق كل شيء بقدرته ، وخلق العرش لا لحاجته إليه ، فاستوى عليه كيف شاء وأراد ، لا استقرار راحة ؛ كما يستريح الخلق ، وهو مدبر السماوات والأرضين ، ومدبر ما فيهما ، ومن في البر والبحر ، ولا مدبر غيره ، ولا حافظ سواه ، يرزقهم ويمرضهم ويعافيهم ويميتهم ويحييهم ، والخلق كلهم عاجزون والملائكة والنبيون والمرسلون والخلق كلهم أجمعون ، وهو القادر بقدرة ، والعالم بعلم أزلي غير مستفاد ، وهو السميع بسمع ، والمبصر ببصر ، يعرف صفتهما من نفسه ، لا يبلغ كنههما أحد من خلقه ، متكلم بكلام لا بآلة مخلوقة كآلة المخلوقين ، لا يوصف إلاَّ بما وصف به نفسه ، أو وصفه به نبيه صلوات الله عليه وكل صفة وصف بـها نفسه ؛ أو وصفه بـها رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فهي صفة حقيقية لا مجازية ، ويُعلم أنَّ كلام الله تعالى غير مخلوق ؛ تكلم به تكليما ؛ وأنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم على لسان جبريل ؛ بعد ما سمعه جبريل منه ؛ فتلاه جبريل على محمد ؛ وتلاه محمد على أصحابه ؛ وتلاه أصحابه على الأمة ، ولم يصر بتلاوة المخلوقين مخلوقا ؛ لأنه ذلك الكلام بعينه الذي تكلم الله به ؛ فهو غير مخلوق [فبكل] حال [ الكلمة مطبوعة في المنتظم كما هي بين القوسين (فبكل ) والأمر غالبا خطأ مطبعي أو خطأ في اللغة فلا بد أنْ تكون الكلمة هي "في كل حال " ليصح الكلام ] متلوا ومحفوظا ومكتوبا ومسموعا ، ومن قال : إنَّه مخلوق على حال من الأحوال ؛ فهو كافر حلال الدم بعد الاستتابة منه ، ويعلم أنَّ الإيمان قول وعمل ونية ؛ وقول باللسان وعمل بالأركان والجوارح ؛ وتصديق به يزيد وينقص : يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وهو ذو أجزاء وشعب ، فأرفع أجزائه لا اله إلاَّ الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الأيمان ، والصبر من الإيمان بمنـزلة الرأس من الجسد ، والإنسان لا يدري كيف هو مكتوب عند الله ، ولا بماذا يختم له ، فلذلك يقول : مؤمن إن شاء الله ، وأرجو أنْ أكون مؤمنا ، ولا يضره الاستثناء والرجاء ، ولا يكون بـهما شاكا ؛ ولا مرتابا ، لأنه يريد بذلك ما هو مغيب عنه ، من أمر آخرته وخاتمته ، وكل سيء يتقرب به إلى الله تعالى ؛ ويعمل لخالص وجهه من الطاعات : فرائضه ، وسننه ، وفضائله ، فهو كله من الإيمان منسوب إليه ، ولا يكون للإيمان نـهاية أبدا ؛ لأنه لا نـهاية للفضائل ؛ ولا للمتبوع في الفرائض أبداً ، ويجب أنْ يحب الصحابة من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلهم ، ونعلم أنـهم خير الخلق بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنَّ خيرهم كلهم وأفضلهم بعد رسول الله ـ صلى الله علية وسلم ـ أبو بكر الصدِّيق ، ثم عمر بن الخطاب ، ثم عثمان بن عفان ، ثم علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم ، ويشهد للعشرة بالجنة ، ويترحم على أزواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن سب سيدتنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ فلا حظ له بالإسلام ، ولا يقول في معاوية ـ رضي الله عنه ـ إلاَّ خيرا ، ولا يدخل في شيء شجر بينهم ، ويترحم على جماعتهم ، قال الله تعالى :] وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [ (الحشر:10) وقال فيهم : ] وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [ (الحجر:47) ولا يكفر بترك شيء من الفرائض غير الصلاة المكتوبة وحدها ، فإنه من تركها من غير عذر وهو صحيح فارغ حتى يخرج وقت الأخرى فهو كافر ؛ وإنْ لم يجحدها ، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( بين العبد والكفر ترك الصلاة ) . فمن تركها فقد كفر ، ولا يزال كافرا حتى يندم ويعيدها ، فأنْ مات قبل أنْ يندم ويعيد أو يضمر أنْ يعيد ، لم يصلَّ عليه وحشر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن أبي خلف ، وسائر الأعمال لا يكفر بتركها ، وإنْ كان يفسق حتى يجحدها ، ثم قال : هذا قول أهل السنة والجماعة ؛ الذي من تمسك به كان على الحق المبين ؛ وعلى منهاج الدين والطريق المستقيم ، ورجا به النجاة من النار ؛ ودخول الجنة إنْ شاء الله تعالى ، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وعلم الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم . وقال عليه السلام : أيما عبد جاءته موعظة من الله تعالى في دينه ، فإنـها نعمة من الله سيقت إليه ، فإن قبلها يشكر ، وإلاَّ كانت حجة عليه من الله ؛ ليزداد بـها إثماً ويزاد بـها من الله سخطا ) جعلنا الله لآلائه من الشاكرين ؛ ولنعمائه ذاكرين ، وبالسنة معتصمين ، وغفر لنا ولجميع المسلمين .
2 غالبا هذا ما يشرح لنا حقيقة موت العقلانية في بلاد
الإسلام ، و كيف أن الحضارة الإسلامية قد انحدرت فكريا بعد أوجها سابقا ، فالحقيقة
أن حالة الانحطاط في الحضارة الإسلامية لم تكن حالة انحطاط سببها الخلفاء المسلمين
بسوء التسيير ، بل الأصل هو أن الدولة الإسلامية هي ذاتها ومن إرادة واعية قد دعمت
ذلك المنهج عمدا ، فالدولة الإسلامية
ببساطة وجدت أن الفكر مهدد للايدولوجيا الرسمية و منه فقد حاربته ، لكنها طبعا لم
تنتبه أن حربها تلك سوف أول ما تدمر سوف تدمرها
هي ، فحين أطلقت أيدي رجال الدين لتكفير العلوم و الفكر على غرار الغزالي مثلا
بكتابه إحياء علوم الدين ، فهي لم تدري أنه سوف يضرب أساسات نهضة الدولة الإسلامية
من مفكرين على ابن سينا و الفارابي وغيره ، فنحن نعلم اليوم أن هؤلاء قد كفروا و
هوجموا من الجماعة الأصولية ، وكيف أن هذا الأمر هو بالذات ما أدى إلى تدهور حال
الخلافة الإسلامية .
يتبع ..
دوما في انتظار جديدك
ردحذف