لوحة لفنان مجهول من رسومات الطاسيلي . |
حين
نعود كبشر إلى أعماق التاريخ بحثا عن بدايات أصولنا البشرية فإن أول ما يصادفنا هناك
ليس آلة للزراعة اخترعها الإنسان مثلا ، أو آلة للحرب ، بل ما نجده هو الرسومات
على جدران الكهوف التي سكنها الإنسان ، فأول تعبير للبشرية الواعية عن نفسها كان عبارة
عن إبداع فني خطه الإنسان على جدار مسكنه الطبيعي ؛ ومن تلك الرسومات
البسيطة التي صورت حياة الإنسان البادئ في الأحراش و الغابات و إلى حضاراتنا اليوم
، فجميع الحضارات البشرية تعرف بإبداعها الفني و بالابتكار الجمالي ، فالحضارة هي بالأساس
فعل فني "حيث يحول الإنسان حياته من الواقع الفوضوي و العبثي ، إلى واقع منظم
ذو بعد جمالية " ، فالمعمار هو حالة جمالية في أسلوب السكن ، و الموضة هي حالة
جمالية من أسلوب اللبس ..إلخ ، وعليه فالحضارة بالأصل هي مسيرة فن ، فكل حالة إبداع
فني كانت لبنة في جدار الحضارة ، في المقابل فكل حالة من غياب الفن كانت ببساطة
حالة من الهمجية سواء الأمس أو اليوم ، فكما عرفت الحركات الهمجية حالة العداء
للفن في القديم (حالات الغزو التي قادتها الأمم المتوحشة على الحضارات و التي أدت
إلى تدمير كثير من إبداعاتها الفنية ) فالحركات المعادية للحضارة اليوم تسير على
نفس المسيرة حيث تقوم أساسا على معاداة الفن (حالة داعش وتدميرها للتماثيل الأثرية
في سوريا والعراق مثلا ) فهذا الأمر ليس بالعبثي بالنسبة للاثنين ، فالفن يهذب
الإنسان و يصقل شعوره الإنساني ، لهذا فمثل هذه الحركات فهي معادية له لأنها لا
تريد إنسان حساس مفيد للبناء والتنمية ، بل هي تريد إنسان متوحش يسخر كل طاقته للهدم والتخريب ، وعليه كان سواء
في القديم أو حتى لليوم فكل الأمم التي فقدت تواصلها مع الحالة الجمالية وتتذوق الفن
فهي أنته للتخلف ، ففقدان تلك الأمم للحاسة الجمالية جعلها تفقد ملكتها في البناء
و الإبداع (وهو أولى أساسيات الحضارة )، وعليه
صارت في أحسن الأحوال أمم تعيش على إبداعات الآخرين و تستمر بها ، أو أنها في أسوء
الأحوال أنته إلى الحضيض حيث دمرت نفسها بنفسها بالحروب و المجازر ، لهذا فالأساس
للحضارة هو الفن ، وكل حالة معاداة للفن هي بالمختصر دعوة للهمجية مهما ما كان
المبرر الذي يرفع .
شكرا .
fuck u
ردحذفthnx
ردحذف