بعد التوضيح حول الفروق بين طبيعة
العقل الخرافي و العقل العلمي في الجزء الأول و تشرحنا للقصور الذي يعانيه العقل
الخرافي ، نكمل هنا التوضيح حول حقيقة العقلانية في حياة الإنسان (العقلانية بمعنى
التفكير بطريقة علمية كما وضحنا) فالحقيقة أنه ورغم إشادتنا بمنهج التفكير العلمي
في المقال السابق ، إلا أن هذا لا يعني أن الإنسان في حياته سيكون دائما علميا ،
أو دائما خرافيا ، فالواقع أن الإنسان يتذبذب بين الخرافة والعقلانية في حياته ؛ و
ما يحكم هذا الأمر هو ظروف مؤثر قد تطغى على العقل ، فعلى سبيل المثال تمثل
العاطفة أحد أبرز العوامل لتعطيل العقل العلمي ففي كثير من الأحيان قد نكون علميين
في تفكيرنا ، لكن العاطفة كثيرا ما تؤثر علينا لاتخاذ قرار عكس ما يمليه المنطق ، ومنه
ننزلق للخرافة من باب العواطف ، أيضا من الأمور التي تؤثر على تفكيرنا العقلاني هو
الخوف ، ففي أحيانا كثير يمكن للإنسان أن يكون عقلانيا في خياراته ، لكن لو وقع
تحت طائلة التهديد فهو سيكون ميال إلى إلغاء
العقل و الانصياع للخرافة بسبب هذا ، وربما أبرز مثال على الأمر هو قضية
السحر و الشعوذة الخ ، فالسحر والشعوذة في الواقع كلها أمور خرافية لا استمرارها سوى
الخوف داخل الإنسان ، فالكثير من الناس ورغم إدراكهم لخرافية السحر و العين و
الشعوذة ، لكن حالة الخوف الكامنة دخل الإنسان من المجهول ، تدفعهم لا إراديا نحو
الإيمان بتلك الأمور و محاولة اتقاء شرها ، وهذا طبعا كله لان الخوف يشل التفكير
المنطقي عندهم ، ويمكن القول حول الخوف أنه احد أكثر الأمور التي لطالما استغلت
لتعطيل الملكة العقلية للإنسان ، حيث مثلا نجد في التاريخ أن المشعوذين و الكهنة
لطالما استغلوا هذا الأمر لاستغفال الناس ، حيث يقوم هؤلاء بإرعاب الناس من خطر سيطالهم
كوباء أو ككارثة طبيعية إذا هم لم يخضعوا لهم ، وطبعا ومع قدرة الإنسان على
التفكير المنطقي تلقائيا إلا أن الخوف هنا و الخطر كثير ما يعطل هذه الملكة ،
وعليه فنحن نرى في كثير من الأحيان دكاترة وأطباء و أناس على أعلى مستوى تعلمي
خاضعين لمشعوذين ودجالين ، وكله بسبب الخوف
.
الأمر الأخر الذي يعطل ملكة العقل أيضا
هو الأمل ، ففي كثير من الأحيان قد يكون لدى الإنسان قناعة بواقع ما و تقبل له (أن
يكون مريض مرض لا يمكن علاجه مثلا ) لكن حالة الأمل داخله تدفعه نحو البحث العبثي
عن علاج ، ومنه نرى في كثير من الأحيان أناس يقعون ضحايا للرقاة و المشعوذين رغم
عقلانيتهم ، فمع علم الكثير من الناس أن الشعوذة و الرقية مجرد خرافات ، إلا انه و
بدافع الأمل في الحياة يقع هؤلاء ضحية التفكير الخرافي حيث يأملون الشفاء من العدم .
ومنه وكما نرى فلا يوجد عقلانية مطلقة
آو خرافية مطلقة ، بل هناك تذبذب بين الأمرين
، و الإنسان الأكثر اتزانا هو الذي يكون مدركا لهذا الأمر في حياته ، فالواقع أن
بعض الآمل و بعض العواطف ليست مشكلة حتى مع خرافيتها ، بل هي ضرورة لكي يعيش
الإنسان في هذا العالم الجاف و القاسي ، لكن المهم بالنسبة للإنسان دائما هو أن
يدرك أن ما يفعله هو مجرد خرافة ، وان لا يسمح لحالات التصديق هذه بها أن تدفعه
لفعل شيء مؤذي ، ففي النهاية يجب أن يكون الإنسان عقلانيا لأن العقل هو ما يجعله
بشرا .
شكرا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق