ظاهريا قد تبدو لنا المركزية الذكورية من حيث المضمون فكرة
تافهة ، فأي منطق هذا الذي يجعل الرجل أعلى من المرأة هكذا بالمطلق فقط لأنه يمتلك
عضوا تناسليا ذكريا ، فهل يصلح العضو التناسلي كمعيار للتفرقة بين البشر على أساس
الكفاءة ؟ ... طبعا لا ! ، لكن و مع هذا فوجب
القول أن هذه المركزية الذكورية ورغم هزالها من حيث المضمون ، إلا أنها تملك آليات
جبارة لفرض نفسها ، فالذكورية ليست في الأصل حالة فكرية تفرض نفسها بالحجة و
الدليل المنطقي ، بل هي مجرد آليات استطاعة أن تبقي الذكورية مستمرة رغم سخفتها .
إن مصدر قوة الذكورية ببساطة هو في قوة الآليات التي
تملك ، فهذه الآليات هي التي تفرض الذكورية كأمر واقع ، بل و في كثير من الأحيان أن
تجعلها فكرا منطقيا رغم سخافتها ، فمثلا و ليصح زعم " أن اذكي امرأة هي أغبى
من أغبى رجل" (وهو زعم يمثل عماد الفكر الذكوري) ، فالمجتمع الذكوري قام باختراع
هذه المرأة الغبية ليصح ، فقد تم الأمر عن طريق سياسة تجهيل المرأة على مدى قرون ،
فمنذ القديم والمجتمعات الذكورية تمارس عملية التجهيل بحق المرأة ، وطبعا وعلى مدى
الزمن من سياسة التجهيل ، كان بلا شك أن أنحذر المستوى العقلي للنساء عموما ، وهنا
خرج علينا الذكوريّون بالقول "انظروا إلى الحال المرأة المزري فهي أدنى من الرجل"
(وهذا صحيح من حيث الواقع) لكننا طبعا نعلم أن هذه الحقيقة مبنية على واقع مزيف ، فهم
زوروا المرأة ليستطيعوا دعم نظريتهم .
إذن و من هنا فنحن نفهم لماذا تبدو ظاهريا المركزية الذكورية
صحيحة رغم سخافتها ، فالذكورية هي من تتولى اليوم خلق البيئة التي تبدو فيها المرأة
ضعيفة ، لكن طبعا وفي واقع مغاير فيه عادلة ومساواة بين المرأة و الرجل فهذا كله
سيتغير ، وستتسقط مثل تلك الفرضيات بسهولة ، لكن عموما وجب التنبيه أن هذا لن يتم إلا
بالتضحية و النضال لأنه وفي الجهة
المقابلة فالذكورية تعمل و بدأب شديد
لابقاء الوضع على حاله ، فمثلا لماذا تكلف حركة طالبان نفسها عناء تفجير مدارس الفتيات
في أفغانستان و أن تجعل عدوها الأول هو طفلة صغيرة تحلم بالدراسة اسمهما ملالا إلا
أنه الدأب الذكوري في الدفاع عن سيادة الذكورية ، فالواقع أن ملالا و مثيلاتها برغبتهن
بالتعليم هن التهديد الأكبر لسيادة المجتمع الذكوري لهذا فالمجتمعات الذكورية جلها
ضد تعليم المرأة ، و هي و إذا قبلت بالتعليم للمراة فهي تتحايل عليه لتفرغه من
محتواه عن طريق جعله تعليما لا يؤدي ألا لمزيد من التأكيد على المركزية ، فالمراة في
المجتمع الذكوري وإذا تعلمت فهي تلقن ومنذ الصغر على عبادة الرجال و غرس ثقافة
الخضوع له ، في مقابل حضها على تحقير ذاتها و امتهانها (مثال أن المرأة عورة ) و يتم
هذا طبعا في إطار من سياسة ممنهجة مثل سياسة الفصل بين الجنسين في التعليم ، فمثل
هذه السياسة تعمد إلى تعليم الفتاة عكس ما يتم تعلمه للرجل ، ففيما يربى الذكر على
القيم السادية من قوة وعنف وبطش ، فالمرأة المرأة على قيم مازوشية لتقبل الذل
والهوان ، وهكذا يخلق المجتمع الذكوري و بإسم التعليم و إحترام حقوق المرأة ، نساء
مسوخا لا يفدن بشي إلا أرضاء المركزية الذكورية ، و التأكيد على صحة مزاعمها
الباطلة عن المرأة .
ومن هنا وكما نلاحظ فالمركزية الذكورية ليست مسالة قوة في الفكرة آو
في الحجية ، بل هي مجموعة من الآليات تتضافر لحرمان المرأة من حقوقها ، لهذا فإذا أرادت المرأة الثورة على المركزية
الذكرية فأول الأشياء التي عليها هي تفكيك تلك الآليات ، وهي بان تتعلم لترتقي، و أن تقضي على مبادئ العورة و
الفتنة ، و المرأة الشيطان ، لأن تلك المبادئ هي ما أنهاها إلى هذا الحضيض .
شكرا .