المدرسة و تلقين الجهل .
تكلمت في المقال السابق
» المجتمع اللاعلمي وعلاقته بأزمة التعليم « عن دور
المجتمع " إما في تطوير ذاته بتبنيه للعلوم و المعرفة كأسلوب حياة ، وإما في تأخير نفسه عن طريق إهمالها " ،
وقد وضحت في المقال كيف أن المدرسة وحدها لا تكفي لتكون رافعة للمجتمع من الناحية
العلمية ، فالمدرسة تحتاج إلى دعم مجتمعي لها لفعل هذا ؛ ..لكن الحقيقة انه
و بقدر ما ارتأيت حينها أن هذا الرأي هو الصواب إلا أني أجد نفسي الآن مشككا في
الأمر ، فالسؤال الذي يدور في ذهني حاليا هو : و من أين يأتي المجتمع بعلومه إذا
لم يكن من المدرسة ؟ ثم أليست المدرسة هي اللبنة الأولى لنشر العلوم
، أو لنقل منح الناس وسيلة الوصول إليها في
الحد الأدنى على الأقل ؟ .
شخصيا اعتقد حاليا انه وبالنسبة لمجتمعنا أن المدرسة مسئولة هي الأخرى عن
تأخرنا عن الركب العلمي (طبعا يضاف لها
المجتمع كما شرحت في المقال السابق ) ، لان هذه المدرسة وعلى عكس بقية المدارس في
العالم ، لا تمارس التدريس كما هو مفروض منها ، بل هي تمارس التلقين ، و
التلقين طبعا لا يصنع المجتمع العلمي (1) .
إن المطلوب و المفروض من أي مدرسة ولكي تجد
الدعم المجتمعي لها للقيام بدورها ، هي أن تدعم الخريج بوسائل تلقي العلوم ،
فالمدرسة يجب عليها شحذ همة السؤال
والفضول و البحث لدى الطالب ، و أيضا زرع سلوك الشك و النقاش حول المسلمات فيه ، فهذه القيم هي الأمور المطلوبة للإنسان ليبقى
على حبه للتعلم بعد مغادرة المدرسة ، لكن طبعا من يتابع مدرستنا حاليا سيجد أنها
مدرسة المقرر ، فالطالب فيها مطالب بحفظ المنهاج بدون سؤال أو كلام ، وعليه فهذا
الطالب و بمجرد تركه مقاعد الدارسة يتحول مباشرة إلى إنسان خامل ، فهو و حين كان يدرس تم قولبته على فكر الحفظ و البصم
بما قتل داخله نزعة الإنسان الباحث التي يتطلبها المجتمع العلمي ، وعليه فنحن نجد أن
الحالة انتهت بالجميع إلى العطالة الفكرية .
بالمختصر لقد أدت سياسة التحفيظ هذه
في مدارسنا إلى المجتمع اللاعلمي الذي نرى ، فالطلاب يحفظون فقط النظريات و
المسائل ، لكن طبعا لا احد يعلم ماذا تعني ، و الأسوأ أيضا أنهم فقدوا حسهم ألتشكيكي،
فالجميع (إلا قليلا) لم يعد لديهم الفضول الفطري لدى الإنسان للمعرفة ، لهذا افترض
شخصيا و في ظل هكذا مدرسة انه ربما تكون الأمية و بقاء الإنسان على حالته أفضل لنا
(2) ، لان الإنسان الأمي يبقي على الأقل محافظا على فضوله الفطري في البحث على الأشياء
و السؤال ، ونحن نلمس هذا يوميا مع الأطفال الصغار ، في المقابل فإن من يتعلمون
وفي ظل مدارسنا المدجِّنة سينتهون جميعا حتما لفقد هذه الميزة ، و هو تماما السبب
وراء حالتنا الكارثية فمدارسنا التي كان
من المفروض أن تتولى مهمة تطوير المجتمع و الارتقاء به هي من باتت
اليوم تتولى عملية تخريبه للأسف ، وعليه فلا عجب برأيي إذا كنا نرى مجتمعنا في أخر
الركب العلمي العالمي فهذا أمر بديهي في ظل هكذا ظروف .
(1)
للأسف نحن نجد أن هذا النهج التلقيني قديم قدم المدرسة لدينا ، فتقريبا
ومنذ كتاتيب حفظ القران (وهي من أوائل المدارس التي أنشئت في بلادنا ) كل المدارس
من حينها تقوم أساسا على الحفظ ، فقد أدى هاجس اندثار القران الذي سكن مدرسي
القران في الأزمنة الغابرة ( زمن انعدام الورق و المجلدات للتدوين) إلى
تركيز عميق على قيم الحفظ ، و هو طبعا ما أنتهى بحالة كارثية على المدرسة الحديثة،
فبقدر ما كان ذلك الأسلوب مفيدا في حالة دراسة النص الديني إلا إنه
يمثل مصيبة على دراسة العلوم الحديثة ، فهذه العلوم تقوم أساسا على الفهم لا الحفظ
.
(2) نفرق هنا بين الجهل و الأمية، فالأمي هو الإنسان الذي يعلم أنه لا يعلم ،
بينما الجاهل ، هو يجهل انه يجهل ، وعليه فإن الأمية تبقى أفضل لأن صاحبها
مستعد للتعلم ، على عكس الجاهل الذي سيرفض هذا .
شكرا .
(1)
للأسف نحن نجد أن هذا النهج التلقيني قديم قدم المدرسة لدينا ، فتقريبا
ومنذ كتاتيب حفظ القران (وهي من أوائل المدارس التي أنشئت في بلادنا ) كل المدارس
من حينها تقوم أساسا على الحفظ ، فقد أدى هاجس اندثار القران الذي سكن مدرسي
القران في الأزمنة الغابرة ( زمن انعدام الورق و المجلدات للتدوين) إلى
تركيز عميق على قيم الحفظ ، و هو طبعا ما أنتهى بحالة كارثية على المدرسة الحديثة،
فبقدر ما كان ذلك الأسلوب مفيدا في حالة دراسة النص الديني إلا إنه
يمثل مصيبة على دراسة العلوم الحديثة ، فهذه العلوم تقوم أساسا على الفهم لا الحفظ
.
(2) نفرق هنا بين الجهل و الأمية، فالأمي هو الإنسان الذي يعلم أنه لا يعلم ،
بينما الجاهل ، هو يجهل انه يجهل ، وعليه فإن الأمية تبقى أفضل لأن صاحبها
مستعد للتعلم ، على عكس الجاهل الذي سيرفض هذا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق