نظرية التطور و الإلحاد .
من الآراء الشائعة حول نظرية
التطور عندنا ، الرأي الذي يقول أن هذه النظرية تدعو للإلحاد ، أو أنها على الأقل توصل المؤمن بها إليه ، و سؤالنا هنا في هذا المقال هل حقا نظرية التطور تدعو للإلحاد
، ثم هل هي حقا تروج له ؟ .
بداية وكما هو معلوم للجميع فنظرية التطور التي طرحها تشارلز داروين قد ظهرت للعلن قبل 150 سنة ، في المقابل فالإلحاد كموقف من الله فهو موجود من قديم العهد ، فعلى الأقل وإذا تحدثنا على الإسلام فقد عرف الإسلام الإلحاد منذ نشأته ، بدءا بــ"الدهريين" على حد تعبير جمال الدين الأفغاني ، و هم الذين رفضوا مبدأ البعث و الألوهية بقولهم ( قَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ ) (الجاثية 24 ) أو بملحدين آخرين كما تحدث عنهم عبد الرحمان بدوي في كتابه "من تاريخ الإلحاد في الإسلام"، أمثال ابن الرواندي و الرازي و التوحيدي ..الخ ، وهؤلاء جميعا كانوا ملحدين ولهم حججهم في الإلحاد ، رغم أن نظرية التطور لم تظهر ، و السؤال على هذا ما علاقة نظرية التطور بالإلحاد إذا كان هذا هو الأمر .
العلاقة ببساطة هي و كما يشرح البروفيسور في علم الإحياء "ريتشارد دوكينز" ، هو " أن نظرية التطور جعلت الفكر الإلحادي منهجا متكاملا ، فبعد سد تغرة التنوع الأحيائي ، و أصل الكائنات ، فقد صار الإلحاد تصورا فكريا مستقلا بذاته "، لكن ومع هذا فيجب أن نفهم بعض الأمور ، فأولا لا يعني أن تكون تطوريا أنك ملحد ، فهناك العديد من الملحدين من لا يؤمنون بالتطور وهذا مثال من ريتشارد دوكينز نفسه يتكلم عن الامر (هنا) ، ثانيا أن التطور كان في حد ذاته مشكلة لدعاة الخلق الكامل ، فحتى بغياب الإلحاد كان على الخلقيين تبرير مسالة تطور الكائنات الحية ، وهو ما يفسر لنا لماذا ذهب بعض الخلقيين إلى نظرية التصميم الذكي (Intelligent design) كمقابل لنظرية التطور، فهؤلاء وفي خضم الدلائل التي لا يمكن إنكارها عن تطور الكائنات ، ذهبوا إلى أن التطور أمر حقيقي ، لكنهم رفضوا مبدأ التلقائية في النشوء (وهو ما يتبناه الملحدون) ، و طرحوا بدله فكرة أن التطور نشأ بفعل الخالق الذي كان هو المهندس والمصمم في إيصال الكائن إلى ما هو عليه .
إذن فالنظرية وكما نرى لا علاقة مباشرة لها بالإلحاد
لا سلبا ولا إيجابا فهي مجرد تقدم معرفي آخر للبشر حيث يكشف الإنسان
فيها عن جزء من الغموض الذي كان يكتف تاريخه ، وهذا أمر لكل إنسان الحق في تأويله كيفما يريد
.
شكرا .